خبراء يحذرون من صيف ملتهب ويدعون إلى اليقظة لتفادي الحرائق

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يبدو أن موسم الحرائق انطلق مبكرا هذه السنة، مع تسجيل حريق مهول أول أمس الثلاثاء في غابة هوارة، بين مدينتي طنجة وأصيلة، ما ينذر بصيف ساخن على المستويات البيئية والمناخية.

في هذا السياق، دق خبراء في البيئة والمناخ ناقوس الخطر، مشددين على ضرورة اتخاذ إجراءات استباقية عاجلة، وسط توقعات بارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، وتزايد احتمال اندلاع حرائق بسبب الغطاء النباتي الكثيف الناتج عن موسم ممطر، وسلوك بشري غير مسؤول.

وقال المصطفى العيسات، خبير في المجال البيئي والتنمية المستدامة والمناخ، إن صيف 2024 يتميز بدرجات حرارة مرتفعة جدا تصل في بعض المناطق إلى 45 درجة مئوية، مما يرفع من احتمال اندلاع حرائق الغابات، خاصة مع وجود كثافة نباتية خلفها موسم ممطر ساعد في نمو الأعشاب والحشائش داخل الفضاءات الغابوية، وهي من العوامل التي تسرّع انتشار النيران.

وأوضح العيسات، ضمن تصريح لهسبريس، أن سلوك مرتادي الغابات، مثل ترك القنينات الزجاجية والنفايات المشتعلة أو القابلة للاشتعال، يتسبب بشكل مباشر في اندلاع عدد من الحرائق، داعيا إلى مزيد من الوعي البيئي وتحمل المسؤولية من طرف الجميع.

وأشار إلى أن لجنة اليقظة الوطنية الخاصة بتتبع الحرائق وضعت برنامجا شاملا لموسم الصيف الحالي، بمشاركة قطاعات عدة، تتجاوز تدخلات الوقاية المدنية والدرك الملكي لتشمل استخدام تقنيات حديثة مثل الطائرات المسيرة (الدرون) والمسح الخرائطي لمراقبة تطور الحرائق وسرعة انتشارها وفق اتجاه الرياح.

وأكد الخبير في المجال البيئي والتنمية المستدامة والمناخ أن المغرب يتوفر اليوم على أسطول من طائرات “كنادير”، وهو ما يُعد عنصرا حاسما في التدخل السريع، خصوصا في المناطق التي يصعب على فرق الإطفاء الوصول إليها، مضيفا أن “العمل التشاركي مكن خلال سنة 2024 من تخفيض عدد الحرائق إلى النصف مقارنة مع سنة 2023، التي التهمت فيها النيران أكثر من 20 ألف هكتار من الغابات، عبر حوالي 50 حريقا كبيرا في مناطق الشمال، والجنوب الشرقي، وكذا الجنوب”.

وأبرز أن احتمالات نشوب الحرائق خلال الأسابيع المقبلة تبقى مرتفعة للغاية، وهو ما يستدعي “أقصى درجات اليقظة من جميع الأجهزة، إلى جانب تعبئة المجتمع المدني والإعلام والمواطنين لتفادي تكرار كوارث السنوات الماضية”.

وختم العيسات تصريحه بالتذكير بحالات الحرائق المفتعلة التي عرفتها مناطق مثل تطوان والجبل الأسود ودفعت النيابة العامة إلى فتح تحقيقات ومعاقبة المتورطين، مشددا على أن هذه الجرائم البيئية تُشكل تهديدا مباشرا للثروة الغابوية الوطنية، التي تعد ركيزة من ركائز الاستدامة البيئية في المغرب.

من جانبه، أكد علي شرود، خبير مناخي، أن حرائق الغابات من الكوارث الطبيعية الكبرى بالنظر إلى الخسائر المادية والبيئية الكبيرة التي تخلفها، مشيرا إلى أنها تختلف من حيث الزمن والمساحة؛ إذ يمكن أن تكون محصورة في مناطق صغيرة وتُخمد بسرعة، أو تمتد على مساحات شاسعة وتستمر لأيام، مما يجعل التدخل السريع أمرا حاسما في الحد من الأضرار.

وأوضح شرود، ضمن تصريح لهسبريس، أن حرائق الغابات غالبًا ما تتزامن مع الفترة الانتقالية بين فصلي الربيع والصيف؛ إذ ترتفع درجات الحرارة وتشتد الكتل الهوائية الجافة، مما يخلق ظروفا طبيعية مواتية لاندلاع الحرائق، لكنه شدد في المقابل على أن العنصر البشري يظل سببا رئيسيا في الكثير من الحالات، سواء بسبب الإهمال أو السلوك غير الواعي داخل المناطق الغابوية.

وقال: “هناك ضرورة ملحة لتكثيف جهود التوعية والتحسيس بمخاطر الحرائق، ليس فقط من خلال حملات إعلامية أو دروس تربوية، بل أيضا عبر لوحات إرشادية على الطرقات المؤدية إلى الغابات وتنبيهات دورية في وسائل الإعلام لتعزيز وعي المواطنين بأهمية حماية الغطاء الغابوي”.

وفي ما يتعلق بالتدخلات الميدانية، دعا الخبير المناخي ذاته إلى اعتماد مقاربة استباقية دائمة، ترتكز على جاهزية مصالح الوقاية المدنية وتوفير خرائط دقيقة للمجال الغابوي، تتضمن المساحات والممرات والمسالك القابلة للولوج بما يسهل التدخل السريع، خصوصا في المناطق الجبلية الوعرة مثل الشاون وكتامة.

كما أشار إلى ضرورة تهيئة ممرات خاصة داخل الغابات لتسهيل ولوج رجال الإطفاء، مؤكدا أن العديد من المناطق الغابوية في المغرب يصعب الوصول إليها برا، مما يفرض الاعتماد على الطائرات في عمليات الإطفاء، وهي وسائل مكلفة وقد لا تكون دائما متاحة أو كافية في الوقت المناسب.

وأضاف: “ينبغي على الجهات المسؤولة أن تُعدّ بنيات استباقية جهوية، على مستوى كل جهة من جهات المملكة، تكون مجهزة بالوسائل اللوجستيكية والبيانات الضرورية للتدخل عند الحاجة، خصوصا أن كل دقيقة تهدر في زمن الحرائق تترجم إلى هكتارات مدمرة، بل وفي بعض الأحيان إلى خسائر بشرية مؤسفة”.

وختم شرود تصريحه بالتنبيه إلى أن الغابات ليست مجرد مساحات خضراء، بل هي رئة بيئية توفر الأوكسجين وتساهم في التوازن المناخي، مشددا على أن خسارتها تفاقم مستويات التلوث وتضعف قدرة الطبيعة على التعافي، داعيا إلى تضافر جهود الدولة والمجتمع، رسميا ومدنيا، من أجل حماية هذا الرصيد الطبيعي الذي لا يُقدّر بثمن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق