تدخل سوق الغاز في الساحل الشرقي لأستراليا مرحلة حرجة؛ إذ تتجه نحو نقص هيكلي في المعروض قد يتفاقم ليصبح أزمة مستمرة بحلول العقد المقبل.
وبحسب تقرير حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، ما يزال الطلب على الغاز مرنًا، لكن الإمدادات الجديدة لا تواكب الوتيرة نفسها؛ بسبب انخفاض عمليات الاستكشاف وإرجاء الاستثمارات، إضافة إلى تأثير السياسات المعقّدة التي تقوّض ثقة السوق.
وحذّر التقرير من أن ذلك ينذر بنقص مستمر في إمدادات الغاز خلال أشهر الشتاء، لكنه سيصبح مصدر قلق على مدار العام بحلول أوائل العقد المقبل.
ويبدو أن ملف سياسة الطاقة عاد ليتصدّر المشهد مع فوز حزب العمال في الانتخابات التي أُجريت 3 مايو/أيار الماضي، مسلّطًا الضوء على تعقيدات سوق الغاز في الساحل الشرقي لأستراليا.
أزمة الغاز في الساحل الشرقي لأستراليا
عانت سوق الغاز في الساحل الشرقي لأستراليا من مخاوف بشأن نقص الإمدادات منذ أكثر من 5 سنوات، إذ تعود جذور الأزمة إلى سياسات حظرت التنقيب والحفر في نيو ساوث ويلز وفيكتوريا أوائل العقد الماضي.
ورغم أن الطلب المحلي على الغاز في أستراليا ثابت، فإن التدخلات الحكومية والبيئة التنظيمية الحساسة تردع الاستثمارات لتوفير إمدادات جديدة، بحسب التقرير الصادر عن شركة الأبحاث وود ماكنزي.
وفي خضم النقاش السياسي الأسترالي بشأن تحول الطاقة، تتجاهل بعض التقديرات واقع الطلب الكبير على الغاز من القطاعات السكنية والتجارية والصناعية، الذي لا يمكن الاستعاضة عنه بسهولة بالطاقة المتجددة.
فالطلب على الغاز بالقطاع الصناعي ما يزال ركيزة أساسية في مزيج الطاقة، وأيّ نقص في الإمدادات يهدّد بوقف الإنتاج وخسارة آلاف الوظائف.
في الوقت نفسه، يتسارع نشر الطاقة المتجددة وكهربة القطاعات السكنية والتجارية، لكنه يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والأجهزة، وتتحملها غالبًا الأسر والمستهلكون.
بالإضافة إلى ذلك، ما يزال الغاز عنصرًا لا غنى عنه في مزيج الكهرباء، إذ يدعم نشر الطاقة المتجددة، كما يسهم في تقاعد محطات الفحم، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ورغم أهمية الغاز وارتفاع أسعاره، تواجه مشروعات الإنتاج والتنقيب الجديدة تأخيرات نتيجة تباطؤ الاستثمارات وتدخلات حكومية متكررة، ويُسبّب ذلك حلقة مفرغة تثبط المستثمرين، وتحديات تؤثّر في تأمين إمدادات على المدى الطويل، وبأسعار معقولة.

خيارات أمام سوق الغاز في الساحل الشرقي لأستراليا
بحسب تقرير وود ماكنزي، تواجه الحكومة الأسترالية معضلة في إدارة سوق الغاز، موضحًا أنها أمام مجموعة من الخيارات السياسية التي لا تخلو من مزايا محتملة ومخاطر كبيرة.
فبينما توفر آلية سقف الأسعار راحة فورية للمستهلكين، فهي تهدد مستقبل الاستثمار، وتفاقم من أزمة الإمدادات، بالإضافة إلى أن انخفاض الأسعار قد يزيد من الطلب في وقت تعاني فيه السوق من نقص المعروض.
كما أن تحويل جزء من صادرات الغاز للأسواق المحلية سيساعد في تعزيز الإمدادات، لكنه سيضرّ بسمعة أستراليا كونها موردًا موثوقًا للغاز، ويهدد الجدوى الاقتصادية لمشروعات الغاز المسال المبنية على عقود طويل الأمد، دون الالتزام بتوفير حصص للسوق المحلية.
ورغم أن بعض النشطاء يرون في هذا الخيار وسيلة لخفض الطلب العالمي على الغاز المسال، فإن الواقع يكشف أن الطلب الآسيوي ما يزال قويًا، نتيجة تراجع الإمدادات المحلية، والانتقال من الفحم إلى الغاز، والنمو السكاني والاقتصادي.
وفي غياب الإمدادات الأسترالية، ستُسَدّ الفجوة من مصادر أخرى أبعد وذات كثافة انبعاثات أعلى، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
في الوقت نفسه، يُعدُّ استيراد الغاز المسال خيارًا أمام أستراليا، لكنه يستلزم بنية تحتية جديدة لإعادة التغويز، في وقت ترتفع فيه أسعار وحدات التخزين العائمة عالميًا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
كما سيجعل هذا الخيار السوق المحلية أكثر عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، مضافًا إليها تكاليف إعادة التغويز والنقل، وبذلك قد يفوق السعر النهائي العائد الصافي للغاز المسال.
ويوضح الرسم البياني التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- حجم صادرات الغاز المسال الأسترالية في الربع الأول 2025:
إنتاج الغاز في الساحل الشرقي لأستراليا هو الحل
يرى تقرير وود ماكنزي أن هذه الإجراءات تعدّ حلولًا مؤقتة، ولن تمنع ارتفاع أسعار الغاز محليًا على المدى الطويل.
ويكمن الحل الأمثل لخفض الانبعاثات وتأمين الإمدادات في الاستثمار لتعزيز الإنتاج المحلي للغاز.
ولتجاوز فجوة الإمدادات المتوقعة بحلول العقد المقبل، سيتطلّب الأمر تحركًا من الحكومة يتضمن تسريع الموافقات على المشروعات، وتوسيع نطاق مناطق الاستكشاف جديدة، ودعم المسوحات الزلزالية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر:
0 تعليق