ليس العيد زينة تُعلّق، ولا لحمًا يُقطّع، ولا عُرفًا يُكرّر خشية اللّوم.
العيد صفاء يُولد ويترعرع في القلب، لا طقسًا يُفرض على الجسد.
قال تعالى: “لن ينال الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم”.
فما أجمل أن تكون تقواك هذا العام في التّرك لا في الفعل، في الصدق لا في التظاهر، في الرحمة لا في الذبح.
كم من أضحية ذُبحت لعيون الناس، لا لوجه الله.
كم من قلبٍ ضاق، وجيبٍ ارتهن، وبيتٍ تثاقلت عليه “عادة” لم تعد تعني له شيئًا سوى التّكلّف.
فلماذا نُكلّف أنفسنا ما لا طاقة لنا به معنويًّا.. وما لا نقوى عليه ماديًّا؟
ولماذا نُقنع أنفسنا بأن العيد ناقص إن لم يُهدَر فيه دم؟ وإن لم يُقطّع فيه لحم؟
الرسول صلى الله عليه وسلم ضحّى، ولم يوجب الأُضحية على أمته، بل جعلها سُنّة من استطاع إليها سبيلًا، لا عبئًا ولا استعراضًا.
هذا العام… فلنُبدّل القربان: من شاةٍ تُجر، إلى قلبٍ يُطهَّر.
من منظر يُرضي الناس، إلى معنى يُرضي الله.
من صوت التكبير على اللحم، إلى صوت السكينة في الداخل.
دَعوا العيون لا تجد ما تحكم به، ودعوا القلوب تنعم بنقاء لا يُرى.
جاء في كتاب علّام الغيوب: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.
تلك هي الأضحية الأصدق:
أن تذبحَ الحاجة إلى التظاهر.
أن تعتق نفسك من ضغط المقارنة.
أن تُضحّي بالرياء قبل الكبش.
أن تختار السلام على الشّكليات، والصدقَ على التكلّف، وطاعةَ وليّ الأمر على مجاراة النفس.
العيدُ ليس لمن ذبح… بل لمن طهُر.
ليس لمن فرش الولائم ونَوّعَها… بل لمن بسط الرحمة ووسَّعها.
العيد لمن لانَ صدره، ولم يُضيّق على نفسِه وأهلِه.
لمن تصدّق بنية خالصة، لا بأصوات فاضحة.
فلتكن أضحيَتُك هذا العام صدقة في السرّ، أو عفوًا في الخفاء، أو دعوة في ظهر الغيب، أو صدقة لفقير لا تعرفه.
فلتكن تهنئتُك لأخيك خالية من المفاخرة، مليئة بالمحبّة والعطاء.
فلتكن زينتُك هدوء النفس، وطُهر القلب، ونيّة لا يعرفها سواك وسواه عزّ وجل.
من أراد أن يتقرّب، فليتقرّب بلين القول، بِستر العوز، بِحمد القليل.
فذلك عند الله أثقل وأملح من ألف كبش.
هذا العيد، لا تذبحوا… واتركوا للشاة عمرها.
اذبحوا التكلّف والحرج، وحب الظهور.
اجعلوا من نقاء السريرة أبهى أعيادكم.
وقدّموا أفئِدتكم قربانًا لمُصرّف القلوب، وادعوهُ أن يُصَرِّفها على طاعته.
0 تعليق