تقرير: "خوارزميات الدعم الاجتماعي" قد تقصي الأسر الهشة من الاستفادة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل سعي المغرب إلى تحديث منظومته الاجتماعية سلط تقرير حديث صادر عن مركز كارنيغي للسلام الدولي الضوء على فرص ومخاطر التحول الرقمي في نظام الاستهداف الاجتماعي، مسجّلًا أن الرقمنة ساهمت في تعزيز فعالية البرامج الاجتماعية، لكنها في الوقت نفسه تهدد بإقصاء الأسر الهشة وتكريس نهج التقشف.

وأوضح التقرير، المعنون بـ”الاقتصاد السياسي للبيانات الاجتماعية: الفرص والمخاطر في رقمنة نظام الاستهداف الاجتماعي بالمغرب”، الذي كتبه الخبير القانوني عبد الرفيع زنون، أن “المغرب اعتمد منذ عام 2021، وبشكل متزايد، على منهجية استهداف رقمية لتحديد الأهلية للبرامج الاجتماعية”، وزاد: “بالاعتماد على معالجة رقمية للبيانات التي يتم جمعها عبر السجل الاجتماعي الموحد (RSU) يتم اتخاذ قرارات حول شمول أو استبعاد الأسر المتقدمة للاستفادة من التحويلات النقدية المباشرة، وخدمات التأمين الصحي المجانية”، مشيرًا إلى أن “استخدام تكنولوجيا المعلومات في إدارة البيانات الاجتماعية يخدم أهدافًا سياسية واقتصادية أوسع، تتماشى مع المصالح الإستراتيجية للحكومة وأصحاب المصلحة الأساسيين”.

وذكرت الوثيقة أن “المحاولات الأولى لاستخدام تكنولوجيا المعلومات لتخزين وتحليل البيانات الاجتماعية في المغرب بدأت مع إطلاق نظام المساعدة الطبية للفقراء”، متابعة: “وفرت المنصة الرقمية لـ’راميد’ أداة أساسية لتحديد الفئات المستهدفة عبر برامج اجتماعية متعددة، منها مبادرة ‘تيسير’ لمحاربة الهدر المدرسي، وبرنامج الدعم المالي للنساء الأرامل؛ كما لعبت دورًا مركزيًا في تحديد المستفيدين من المساعدات الطارئة خلال جائحة كوفيد-19 عام 2020. ومع ذلك فإن أوجه القصور المستمرة في آليات التحقق والمعالجة أدت إلى لا عدالة ممنهجة، إذ استفاد أفراد ميسورون نسبيًا بينما تم استبعاد العديد من الفئات الأكثر هشاشة”.

وشدد التقرير ذاته على أن “هذه التحديات تفرض ضرورة إعادة تصميم نظام الاستهداف الاجتماعي على أساس بنية معلوماتية أكثر صلابة، تراعي مبادئ العدالة والاستحقاق”، مردفا: “وهنا برزت التكنولوجيا الرقمية كركيزة مركزية لدعم التوجه الجديد للسياسة الاجتماعية في المغرب، ما يعكس تحولًا جوهريًا في إستراتيجيات الاستهداف، من نهج شامل إلى استهداف إحصائي يقتصر على الشرائح الأشد فقرًا”.

واعتبر المصدر ذاته أن “الخطابات الرسمية المحيطة برقمنة البيانات الاجتماعية تكشف عن رهانات سياسية واضحة، حيث تُعرض الرقمنة كضرورة لتحسين فعالية برامج الحماية الاجتماعية، لكنها في الوقت ذاته تخدم كأداة ‘تقنية’ لتبرير النهج النيوليبرالي في الحكم الاجتماعي، بما يتماشى مع تفضيلات المؤسسات المالية الدولية التي تدعو إلى تقليص شبكات الأمان الاجتماعي إلى تدخلات مستهدفة منخفضة التكلفة”.

ولفتت الوثيقة إلى توسيع قاعدة بيانات الفئات المستهدفة بشكل كبير اجتماعيًا، إذ “بلغ عدد المسجلين في السجل الوطني للسكان حوالي 22 مليون فرد، بينما سجّل السجل الاجتماعي الموحد حوالي 19 مليون فرد، أي ما يعادل 5.2 مليون أسرة”، وواصلت: “مكّنَت هذه ‘البنية التحتية للبيانات’ من تحديد المستفيدين آليًا من برامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذين بلغ عددهم 12 مليونًا، بينما تجاوز عدد المستفيدين من التغطية الصحية التضامنية 10 ملايين”، مبرزة أن “الرقمنة سهلت الربط بين قواعد بيانات مختلفة، مثل السجل الفلاحي والسجل الحرفي. وتحت منطق الخوارزميات قد يؤدي إدراج الفرد في أحد هذه السجلات إلى استبعاده من برامج الدعم الاجتماعي، والعكس صحيح في حالة إزالته منها”.

وأوضح المصدر نفسه أن “هذه الرقمنة ساهمت أيضًا في دمج أكثر من 100 برنامج اجتماعي، ما أدى إلى توفير 15 مليار درهم، وتوحيد سلال الخدمات الاجتماعية بين الجهات المختلفة، والحد من حالات الاحتيال”، موردا في الوقت ذاته أنه “رغم الآفاق التي تعد بها الرقمنة فإنها تطرح تحديات ذات طابع سياسي، أهمها العدالة الرقمية، والقصور التقني، ومصداقية البيانات، وغيرها”.

ولتقليل الأثر السلبي للرقمنة يوصي التقرير بـ”دمج الخوارزميات ضمن إطار حقوق الإنسان، عبر مراجعة المعايير الاجتماعية والاقتصادية لتكون أكثر شمولًا، وتوحيد الحوكمة الاجتماعية، من خلال تنسيق قواعد البيانات، على غرار تجربة البرازيل، ثم تعزيز حماية البيانات، لمنع سوء استخدام المعلومات كما حدث في تجربة الهند، إضافة إلى إضفاء الطابع الإنساني على الرقمنة، بإعطاء مرونة أكبر في المعايير والسماح بالنظر في الحالات الفردية، كما هو الحال في تجربة جنوب إفريقيا”.

كما أوصت الوثيقة بـ”فهم آثار الرقمنة على الاقتصاد غير الرسمي، لمنع نفور العمال من التسجيل بسبب الخوف من فقدان الدعم، كما في تجربة ‘تكافل وكرامة’ بمصر، وتوسيع نطاق الرقمنة لتشمل جميع جوانب إدارة البرامج الاجتماعية، مثل التحويلات عبر الهاتف في إندونيسيا وكينيا”.

وخلص التقرير إلى أن “الرقمنة سهلت تطبيق نهج قائم على الأهلية في تصميم البرامج الاجتماعية، ما قلل من الاستفادة ‘الريعية’ غير العادلة، وعزز التنسيق بين الأطراف المعنية؛ ومع ذلك فإن الخوارزميات قد تعزز أنظمة استهداف ضيقة، وتُقصي العديد من الأسر الفقيرة بسبب قصور تقني، في حين تُستخدم رقميًا في تكريس سياسات تقشفية”، وتابع: “كما تؤدي الفجوة الرقمية إلى إعاقة الوصول العادل إلى الخدمات”، داعيًا إلى “تأطير رقمنة البيانات الاجتماعية ضمن نهج حقوقي يضمن المصداقية والعدالة، ويشمل تحديثًا دوريًا للبيانات، ورقابة بشرية مرنة، وضمان وصول عادل وسهل للمواطنين”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق