"تجنيس الصحراويين" في إسبانيا يفتعل الانقسام ويهدد التقارب مع المغرب

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عاد ملف الصحراء المغربية ليتصدر من جديد النقاش داخل الأوساط السياسية الإسبانية من بوابة مشروع قانون أثار الكثير من الجدل حول منح الجنسية الإسبانية للصحراويين المولودين زمن الإدارة الاستعمارية للمنطقة.

وفي الوقت الذي تسعى مكونات من الائتلاف الحكومي إلى تصفية تركة الاستعمار عبر الاعتراف الإداري بأحفاد “الصحراويين الإسبان”، اختار الحزب الاشتراكي أن يقطع الطريق على هذا المسار، مستحضرا محددات الشرعية القانونية والسيادة الرمزية التي ما فتئت مدريد توازن بها علاقتها الدقيقة مع الرباط.

وفي هذا الصدد أجهض الحزب العمالي الاشتراكي مقترحا تقدم به ائتلاف “سومار” يقضي بمنح الجنسية الإسبانية للصحراويين المزدادين في الصحراء المغربية خلال فترة الإدارة الاستعمارية الإسبانية، مستثنيا بشكل واضح الوثائق التي تصدرها جبهة البوليساريو الانفصالية، باعتبارها “كيانا غير معترف به من طرف المغرب”.

وكان ائتلاف “سومار”، مدعوما بأحزاب كتالونية وباسكية مثل “إر سي سي” و”بيلدو”، قد طالب بتوسيع شروط الاستفادة من القانون ليشمل مواليد ما قبل 11 غشت 1977، بدلا من التاريخ المرجعي الذي تقترحه الحكومة والمحدد في 26 فبراير 1976، يوم إعلان مدريد انسحابها الرسمي من الصحراء المغربية أمام الأمم المتحدة.

كما يدعو المقترح إلى اعتماد وثائق متنوعة لإثبات الأهلية، من بينها شهادات التمدرس ورخص السياقة وبطاقات الهوية الإسبانية القديمة، أو وثائق تسجيل في التعداد السكاني الأممي، إلى جانب وثائق صادرة عن البوليساريو، الشيء الذي رفضه الاشتراكيون بشكل قاطع.

من جانبه، قدم حزب الشعب المحافظ مقترحا بديلا يقوم على تعديل المادة 22 من القانون المدني الإسباني لتمكين الصحراويين من الحصول على الجنسية وفق نفس الصيغة المعتمدة لرعايا المستعمرات الإسبانية السابقة، كأمريكا اللاتينية والفلبين وغينيا الاستوائية والبرتغال، في محاولة لتجاوز الجدل الدائر حول الوثائق ومصدرها.

ابتزاز تشريعي

يرى عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، أن جميع المبادرات السياسية والدبلوماسية والتنظيمية الرامية إلى إرساء علاقات طبيعية قائمة على أسس السيادة والتعاون والتكامل بين المملكتين المغربية والإسبانية غالبا ما تقابل بممانعة شديدة داخل أوساط الطيف السياسي الإسباني، سواء في صفوف السلطة أو المعارضة، خاصة حينما يتعلق الأمر بقضايا كبرى من قبيل الأمن والهجرة والإرهاب وحقوق الإنسان والاقتصاد، وهي ملفات تتطلب تكثيف التنسيق الثنائي بين ضفتي المتوسط.

وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الصحراء المغربية ظلت إحدى أبرز القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على طبيعة العلاقات الثنائية، مبرزا أن الانقسام الحاد داخل الأحزاب والكتل الإسبانية يؤدي إلى تذبذب المواقف بين إعلان دعم الشراكة والتراجع نحو توترات موسمية، تتغذى من منطق المزايدات الانتخابية وسجالات ليّ الذراع، لدرجة أن بعض الأحزاب ظهرت في السنوات الأخيرة على أساس مواقف داعمة لجبهة البوليساريو الانفصالية، وقدّمت مرشحين محسوبين على مخيمات تندوف بغرض استقطاب أصوات محددة.

وتابع المتحدث: “في هذا السياق، يأتي اقتراح تكتل ‘سومار’ منح الجنسية الإسبانية للصحراويين المولودين تحت الإدارة الإسبانية، أو بالأحرى خلال فترة الاستعمار الإسباني، كمحاولة لممارسة ضغط سياسي على الحزب الاشتراكي الحاكم، بعد موقفه الإيجابي من المبادرة المغربية للحكم الذاتي، ومقاربته الجديدة للعلاقات مع الرباط القائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعلى رأسها ملف الصحراء المغربية”.

وسجل الكاين أن القانون الإسباني يمنح الجنسية بشكل أساسي بعد عشر سنوات من الإقامة، أو سنتين بالنسبة لمواطني دول ترتبط بإسبانيا بروابط تاريخية كبلدان أمريكا اللاتينية والفلبين وغينيا الاستوائية والبرتغال، وقد تم في سنة 2015 توسيع هذا الاستثناء ليشمل اليهود “السفارديم”، مما فتح نقاشا جديدا حول فئات أخرى قد تستفيد من معاملة مماثلة.

وأوضح نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن تكتل “سومار” وبعض القوى الكتالانية والباسكية تسعى، بدعم مشروط من الحزب الشعبي، إلى إدراج الصحراويين ضمن هذه الفئات ذات الروابط التاريخية من أجل اختصار شروط الإقامة وتمكينهم من الجنسية، إلا أن هذا المقترح لا يزال محفوفا بالكثير من التعقيدات القانونية، خاصة ما يتعلق بإثبات الهوية، والفترة الزمنية المعنية، والوثائق المعتمدة، ناهيك عن الغموض الذي يلف الوضع القانوني للعديد من الصحراويين، خصوصا القاطنين في مخيمات تندوف، والذين لا يتمتعون بإحصاء دقيق يؤهلهم للحصول على صفة لاجئ وفقا لاتفاقية 1951 والبروتوكول المكمل لعام 1967.

وأكمل الكاين تصريحه بالتأكيد على أن تسييس ملف الصحراء المغربية داخل المشهد الحزبي الإسباني لن يسهم في بناء علاقات مسؤولة ومتوازنة مع المغرب، بل سيبقي القضية رهينة مزايدات ظرفية، ويُعيق أي تطور حقيقي في اتجاه شراكة قائمة على الوضوح والاحترام المتبادل.

تجنيس انتخابي

قالت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، إن مقترح القانون المقدم من طرف حزب “سومار” وأطراف يسارية أخرى بشأن منح الجنسية الإسبانية للصحراويين لا يمكن فصله عن الخلفية السياسية المتوترة التي تطبع المشهد الحزبي في إسبانيا، مشيرة إلى أنه يستهدف في جوهره إحراج الحكومة الحالية، والضغط عليها للتراجع عن موقفها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي اعتبرتها مدريد منذ مارس 2022 الحل الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.

وأوضحت لغزال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الأطراف الداعمة لهذا المقترح تحاول توظيف البعد التاريخي لفترة الاستعمار الإسباني للصحراء قبل 26 فبراير 1976 لتبرير منح الجنسية لفئة محددة من الأشخاص الذين ولدوا أو عاشوا في تلك الفترة، مبرزة أن “هذه المبادرة تُعد محاولة للعودة إلى الوراء قانونيا، في تجاهل تام للتحولات السياسية التي عرفها الإقليم بعد استرجاعه من طرف المملكة المغربية، واستقرار وضعه القانوني والدولي باعتباره جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني”.

واعتبرت أن هذا النوع من المبادرات التشريعية يستخدم أداة انتخابية ظرفية، الهدف منها توسيع قاعدة المؤيدين داخل فئات معينة من المجتمع، وضرب مصداقية العلاقات المغربية الإسبانية التي شهدت منذ 2022 دينامية غير مسبوقة في مجالات التعاون الأمني والاقتصادي والهجرة ومكافحة الإرهاب، وهي ملفات استراتيجية تستدعي مزيدا من التنسيق الثنائي لا تصدير الأزمات الداخلية إلى علاقات الجوار.

كما أبرزت أن تكليف نائبة برلمانية من أصول صحراوية بالترافع عن هذا المشروع لا يخلو من نوايا رمزية واضحة، تسعى إلى منح المبادرة غطاء مجتمعيا مفتعلا، في الوقت الذي لا تزال فيه فئة من الصحراويين بمخيمات تندوف تعاني من غياب التوثيق الرسمي، وحرمانها من أبسط الحقوق القانونية بسبب رفض الجزائر والبوليساريو تمكينهم من بطاقة لاجئ أو إجراء إحصاء دولي نزيه يُحدد وضعهم بدقة وفقا لاتفاقية جنيف لعام 1951.

وفي معرض حديثها، قالت لغزال إن مقارنة حالة الصحراويين بحالات “السفارديم” أو مواطني دول أمريكا اللاتينية أمر مغلوط قانونيا، مشيرة إلى أن الاعتراف لهؤلاء بالجنسية ارتبط بوجود كيانات ودول كانت تربطها علاقات تاريخية طويلة الأمد بإسبانيا قبل فترات الطرد أو الهجرة، في حين أن الصحراء لم تعرف أي شكل من أشكال السيادة الذاتية قبل الحقبة الاستعمارية، بل كانت تحت سلطة الدولة المغربية عبر روابط البيعة المتجذرة في التاريخ.

وختمت المتحدثة تصريحها بالتأكيد على أن محاولات تمرير هذا المقترح تحت غطاء حقوقي أو إنساني ما هي إلا محاولات يائسة لإرباك مسار التقارب المغربي الإسباني، وضرب المكتسبات الدبلوماسية التي تحققت في السنوات الأخيرة بفضل الرؤية المتبصرة للملك محمد السادس، والخيارات السيادية المتقدمة التي تبنتها الدولة المغربية، مضيفة أن “أي نقاش حول الجنسية يجب أن يراعي القواعد المستقرة للقانون الدولي، وألا يكون أداة لتمرير خطابات استعمارية مضمرة تستهدف تقويض الاستقرار الإقليمي، وتعطيل مسار تسوية النزاع على أساس حل سياسي دائم”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق