إلى أي مدى يمكن أن تؤثر الحرب الإسرائيلية الإيرانية على الاقتصاد المصري؟.. سؤال بات مطروحا بقوة في ظل تصاعد حدة الصراع بين طهران وتل أبيب، وسط مخاوف من امتداد رقعة المواجهات لتشمل أطرافا إقليمية ودولية، ما قد يُحدث هزات عنيفة في أسواق الطاقة والسلع وأسعار الصرف، ويضغط على اقتصادات المنطقة بأكملها.
ورغم أن مصر لا تشارك بشكل مباشر في هذا الصراع، إلا أن موقعها الجغرافي واعتمادها الكبير على واردات الطاقة والسلع الاستراتيجية، يضعها في دائرة التأثر غير المباشر، وسط تساؤلات ملحة حول قدرة الحكومة على امتصاص الصدمة وتوجيه الاقتصاد بعيدًا عن تداعيات الحرب المحتملة.
في هذا التقرير من بانكير، نستعرض تحليلا دقيقا للكشف عن أبرز السيناريوهات المتوقعة لانعكاسات هذه الحرب الإيرانية الإسرائيلية على الاقتصاد المصري، والحلول اللازمة لتجنب أي تأثيرات سلبية مستقبلا على الاقتصاد الوطني.

خبير اقتصادي: توتر الاقتصاد المصري وتهديد لتوازنات القوى
حذر الخبير الاقتصادي أحمد خطاب من التداعيات الواسعة التي قد تُخلفها الحرب بين إيران وإسرائيل على الاقتصاد المصري، معتبرًا أن هذا الصراع، رغم بعده الجغرافي، يحمل في طياته تأثيرات مركبة تطال أبرز ركائز الاقتصاد المحلي، وتضع مصر أمام اختبارات صعبة تتعلق بالميزانية والطاقة والتجارة والسياحة.
وقال خطاب، في تصريحات خاصة لـ بانكير، إن أولى المؤشرات السلبية التي بدأت تلوح في الأفق هي الارتفاع المتسارع في أسعار النفط عالميا، والذي من شأنه أن يضاعف من الأعباء على المالية العامة للدولة، موضحًا أن مصر تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة، سواء من البترول الخام أو الغاز الطبيعي أو المشتقات البترولية، وهو ما يجعلها عرضة مباشرة لانعكاسات تقلبات السوق العالمية.
وأشار إلى أن أي اضطرابات في إمدادات الطاقة أو ارتفاع في كلفتها سينعكس بشكل مباشر على تكاليف التشغيل والإنتاج، مما يزيد من أعباء الدعم، ويربك موازنة الدولة، ويدفع نحو إعادة تسعير المنتجات البترولية في السوق المحلي بما لا يضمن الاستقرار للمستهلك أو المستثمر.

تراجع عائدات قناة السويس وقلة التدفقات السياحية
وعلى جانب آخر، لفت خطاب إلى أن قناة السويس، أحد الأعمدة المحورية للدخل القومي من العملة الصعبة، مهددة بتراجع كبير في حركة الملاحة الدولية، حال تصاعد التوتر في المنطقة وتوسعت العمليات العسكرية، خصوصًا إذا اتخذت السفن التجارية مسارات بديلة بعيدًا عن المخاطر الأمنية في البحر الأحمر، الأمر الذي ينذر بخسائر مباشرة في الإيرادات الدولارية.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن الحرب ستزيد من مستوى المخاطرة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، ما قد يدفع عددًا من الأسواق المصدرة للسياحة إلى إعادة تقييم وجهاتها، وهو ما يُنذر بتراجع تدفقات السياحة إلى مصر في وقت يعول فيه الاقتصاد الوطني على هذا القطاع الحيوي لتحقيق التوازن في الحساب الجاري وتوفير العملة الأجنبية.
ورغم هذه الصورة القاتمة، أشار خطاب إلى وجود فرصة ضيقة يمكن أن تستفيد منها مصر على المدى القصير، تتمثل في فتح نافذة جديدة أمام الصادرات الزراعية المصرية إلى السوق الأوروبية، موضحا أن إيران تعد من كبار مصدري المنتجات الزراعية لأوروبا، وإذا ما تعطلت صادراتها بسبب الحرب، فستبحث الأسواق الأوروبية عن موردين بديلين، وقد تكون مصر في صدارة هذه البدائل بحكم القرب الجغرافي والوفرة الإنتاجية.

ضربة محتملة لمكاسب مصر من من تجارة الغاز المُسال
واعتبر الخبير الاقتصادي أن تعطل محطات الغاز الإسرائيلية التي تُورد الغاز إلى مصر لإعادة تسييله في محطتي إدكو ودمياط ومن ثم تصديره للخارج، يُشكل ضربة محتملة للمكاسب التي تحققها مصر من تجارة الغاز المُسال، وهي مكاسب ساهمت في دعم احتياطي النقد الأجنبي خلال السنوات الماضية.
الوصول لاتفاق خلال اسبوعين من أجل إنقاذ الاقتصاد العالمي
وتابع قائلًا: "استمرار الحرب لأكثر من أسبوعين سيخلق حالة من الفوضى في أسواق المال والطاقة والنقل البحري، وهو أمر لا تحتمله البنية الاقتصادية العالمية حاليًا"، مرجحًا أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تدخلات عربية وأوروبية مكثفة للضغط على إيران من جهة، وكبح اندفاع إسرائيل من جهة أخرى.
وأعرب خطاب عن اعتقاده بأن المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة ستأخذ منحى جديدًا قريبًا، قد يتضمن شراكة أوروبية أوسع لتأمين جدية المسار التفاوضي وضمان استقرار المنطقة، مؤكدًا أن اندلاع حرب شاملة سيقود العالم نحو دوامة من التضخم المتصاعد، والركود، وربما الكساد، في لحظة يعاني فيها الاقتصاد العالمي أصلًا من أزمات هيكلية متعددة.
واختتم الخبير الاقتصادي تصريحاته برسالة تحذيرية، مشددًا على أن هزيمة إيران عسكريًا في هذا الصراع قد تخلخل توازنات القوى في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، موضحًا أن "إضعاف إيران سيترك مصر كقوة وحيدة قادرة على الوقوف في وجه إسرائيل، وهو سيناريو استراتيجي بالغ الخطورة يجب على صانعي القرار الإقليميين والدوليين تفاديه بكل السبل الممكنة".

محلل اقتصادي: أمن الطاقة على المحك وتضخم عالمي يلوح في الأفق
من جانبه، أكد المحلل الاقتصادي محمد أنيس، أن الحرب الإسرائيلية الإيرانية تضع أسواق الطاقة أمام مخاطر كبرى، وقد تقود إلى موجة تضخمية عالمية تعرقل تعافي الاقتصاد الدولي، بما في ذلك الاقتصاد المصري.
وأوضح أنيس، في تصريحاته أن تأثير الحرب اقتصاديا سيعتمد على مدى توسع الصراع، مشيرًا إلى أن حصره بين إيران وإسرائيل فقط قد يُبقي الأضرار محدودة، لكن دخول أطراف إقليمية أو دولية سيؤدي حتمًا إلى تفاقم الأوضاع.
وأشار أنيس إلى أن أسعار المحروقات ستكون العامل الحاسم في تحديد شدة التأثير على معدلات التضخم، موضحًا أن أي هجوم على منشآت نفطية في إيران أو إسرائيل سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز، مما سيزيد من الضغوط التضخمية عالميًا، وينعكس ذلك على دول مثل مصر التي تعتمد على استيراد الطاقة.
اضطرابات في الإمدادات وتقلبات في الأسواق المالية
ولفت أنيس إلى أن الصراع يمثل "صدمة جيوسياسية" للأسواق، مع تصاعد تكلفة النقل والتأمين وارتفاع أسعار المحروقات التي تدخل في إنتاج السلع الأساسية، مما يؤثر على الاستهلاك والأسعار.
كما حذر من أن تدخل الصين المحتمل في النزاع قد يعطل صادرات النفط الإيراني التي تتجه بمعظمها إلى الأسواق الآسيوية، ما قد يؤدي إلى اضطرابات في تلك المناطق تمتد آثارها إلى الاقتصاد العالمي.
واختتم المحلل الاقتصادي تصريحاته بالتأكيد على أن السلع الأساسية، وعلى رأسها الحبوب، معرضة لتأثرات سلبية جراء ارتفاع تكاليف النقل والطاقة، مع توقعات بحدوث تقلبات ملحوظة في أسعار الأصول، سواء في أسواق الأسهم أو السندات، لا سيما إذا اتسعت رقعة الحرب وانخرطت فيها قوى أخرى.

كيف ستواجه مصر تحديات الحرب اقتصاديا؟
وفي استطلاع أجرته CNBC عربية بمشاركة 20 من كبار المحللين والمستثمرين وخبراء الاقتصاد في بنوك وشركات استثمارية، كشفت النتائج عن حالة من الترقب والقلق داخل مصر إزاء تداعيات الحرب بين إيران وإسرائيل.
ورأى المشاركون أن هذه الحرب لا تُعد أزمة عابرة، بل مرشحة لإحداث تغييرات عميقة في بنية الاقتصاد المصري، ورغم أن 45% وصفوا التأثير الحالي بأنه "متوسط"، فإن نحو الثلث أبدوا تخوفهم من تفاقم الأوضاع حال استمرار الصراع لأكثر من 3 أشهر.
وأبرز ما كشفه الاستطلاع هو التحول في أولويات السياسات الاقتصادية المصرية، إذ أجمعت غالبية الآراء على أن الحكومة بدأت تركز على "السيطرة على عجز الموازنة وتأمين الدولار"، ما قد يكون على حساب تنفيذ الإصلاحات الهيكلية بعيدة المدى.
كيف ستتعامل الحكومة مع أسعار الطاقة وتوفير العملة؟
كما أن هذا التحول مرشح للانعكاس على ملف تحرير أسعار الطاقة، حيث رجح 50% أن التحرير سيكون جزئيًا، في حين رأى 25% أنه سيتم تأجيله في ظل الأزمة ومراعاة البُعد الاجتماعي، بينما توقّع 10% فقط أن يتم التحرير الكامل بحلول نهاية عام 2025.
وفي ما يتعلق بأداء الحكومة في التعامل مع أزمة سعر الصرف، رأى 55% من المشاركين أن الإدارة الحالية "ناجحة حتى الآن"، لكن ثلث المشاركين اعتبروا هذه النجاحات مؤقتة ولا تعالج الأسباب الجذرية التي تسببت في الأزمة من الأساس.

سيناريوهات عديدة تؤثر على أسعار السلع
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبقى الاقتصاد المصري أمام مجموعة من السيناريوهات المفتوحة، تتفاوت بين الضغوط المحتملة والفرص الممكنة لإعادة ترتيب الأولويات، فمع استمرار الحرب وتوسعها الجغرافي، تصبح الحاجة ملحة لتبني سياسات اقتصادية مرنة واستباقية، تحمي المكتسبات وتحد من الارتدادات الخارجية.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل تمتلك مصر الأدوات الكافية لمواجهة آثار أزمة طاقة عالمية جديدة؟، وإذا ما امتدت نيران الحرب إلى أطراف دولية كبرى، فهل يمكن احتواء انعكاساتها على أسعار السلع والعملات وأسواق المال؟.. أسئلة تبقى معلقة، بانتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة من تطورات سياسية واقتصادية على الساحة الدولية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق