02:31 م - الخميس 19 يونيو 2025
0
تواصل البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم تعزيز احتياطاتها من الذهب بوتيرة متسارعة، في تحوّل يعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية المعدن الأصفر كأصل استراتيجي موثوق في بيئة اقتصادية وجيوسياسية تتسم بالضبابية وعدم الاستقرار. هذا الاتجاه المتزايد يعكس تحولات عميقة في سياسات إدارة الاحتياطيات الرسمية، وسط تراجع الثقة في أدوات الاستثمار التقليدية المرتبطة بالعملات الأجنبية.

الذهب في صميم الاستراتيجية المالية
في ظل الشكوك المحيطة بمستقبل الدولار الأميركي، وتقلبات السياسات النقدية في الولايات المتحدة، عاد الذهب إلى الواجهة باعتباره وسيلة تحوّط موثوقة. لم يعد يُنظر إليه كاحتياطي طارئ فقط، بل كأداة تضمن الحماية من تقلبات الأسواق، وتؤمّن استقرارًا طويل الأجل في موازنات البنوك المركزية.
التقارير الدولية تشير إلى أن وتيرة الشراء الراهنة تُعيد إلى الأذهان تحركات ما بعد الحرب الباردة، إلا أن الدوافع اليوم أكثر تنوعًا وتعقيدًا. فمع تصاعد التضخم في اقتصادات كبرى، وتنامي التوترات في بؤر صراع دولية مثل الأزمة الأوكرانية والصراع الإيراني الإسرائيلي، تتزايد حاجة المؤسسات النقدية إلى تنويع احتياطاتها وتقليل اعتمادها على الأصول المرتبطة بالاقتصادات الغربية.
تحول تاريخي في سلوك البنوك المركزية
تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن نسبة غير مسبوقة من البنوك المركزية حول العالم تخطط لزيادة حيازاتها من الذهب خلال الاثني عشر شهرًا القادمة. ووفق استطلاع دولي شمل 72 بنكًا مركزيًا، أفادت 43% منها بنيتها رفع احتياطاتها، وهي أعلى نسبة مسجلة منذ ثماني سنوات. اللافت أنه لم تُبدِ أي من الجهات المشاركة نية لخفض احتياطاتها.
وقد تجاوزت مشتريات الذهب السنوية من قبل البنوك المركزية حاجز الألف طن في كل من السنوات الثلاث الأخيرة، ما يعكس توجهًا عالميًا يعيد الاعتبار للمعدن الثمين كمكون رئيسي في الاحتياطات الرسمية، بعد أن كان الاتجاه السائد خلال التسعينيات يميل إلى البيع.
أسباب متعددة وراء الاندفاع نحو الذهب
يتصدر العامل الاقتصادي قائمة الدوافع، حيث يُنظر إلى الذهب على أنه أداة استثمارية ذات أداء مستقر، خصوصًا في أوقات التقلبات الحادة وانعدام اليقين. كما أن تنامي المخاطر المرتبطة بسندات الدول المتقدمة، نتيجة التضخم والتغيرات المتوقعة في أسعار الفائدة، عزّز جاذبية الذهب كخيار أقل تقلبًا وأكثر موثوقية.
في الجانب الجيوسياسي، أصبحت الاحتياطيات الذهبية وسيلة فعالة للتحوط ضد احتمالية فرض عقوبات اقتصادية على بعض الدول، بعد أن سلطت أزمة تجميد احتياطات روسيا الأجنبية الضوء على هشاشة الأصول المقومة بالدولار أو المرتبطة بالمؤسسات المالية الغربية. هذا العامل دفع عددًا متزايدًا من البنوك المركزية إلى تقليل تعرضها للأصول التقليدية لصالح الأصول الملموسة مثل الذهب.
الذهب كملاذ آمن للبنوك المركزية
يمثل الذهب خيارًا مثاليًا في بيئة اقتصادية متقلبة، ليس فقط كمخزن للقيمة، ولكن أيضًا كأداة يمكن تسييلها بسهولة، وتوظيفها لتلبية التزامات مالية دون الحاجة إلى بيع أصول ذات تقلبات حادة. كما يعزز استقرار الاحتياطات في مواجهة تراجع الثقة بأسواق المال العالمية، خصوصًا مع تراجع التداولات في البورصات وتعرض العديد من الأسهم لخسائر كبيرة.
وفي ظل تزايد الاضطرابات الجيوسياسية وتراجع الخيارات الاستثمارية الآمنة، يُعتبر الذهب حاليًا الأصل الأكثر قدرة على الحفاظ على القيمة وتوفير حماية حقيقية ضد تقلبات الأسواق، ما يفسر إقبال البنوك المركزية على تعزيزه في موازناتها.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق