ترامب يطرد مستشار الأمن القومي من إدارته على خلفية فضيحة سيجنال

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في خطوة دراماتيكية هزت الأوساط السياسية في واشنطن، أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستشار الأمن القومي مايك والتز من منصبه، في أول تغيير كبير يطال دائرته المقربة خلال ولايته الثانية التي بدأت في يناير ٢٠٢٥.

 جاء هذا القرار على خلفية ما عُرف بفضيحة "سيجنال-جيت"، وهي حادثة تسريب معلومات عسكرية حساسة عبر تطبيق سيجنال تتعلق بخطط لضرب أهداف للحوثيين في اليمن، بعد أن أضاف والتز بالخطأ رئيس تحرير مجلة ذي أتلانتيك، جيفري جولدبرج، إلى محادثة جماعية تضم كبار المسؤولين الأمريكيين.

 واستعرضت صحيفة بوليتيكو في مقال نُشر بتاريخ ١ مايو ٢٠٢٥، تفاصيل هذا القرار، مشيرة إلى أن ترامب خطط لإقالة والتز بعد أن أثارت الفضيحة انتقادات حادة وكشفت عن فوضى إدارية، مما دفعه إلى اتخاذ خطوة حاسمة لاحتواء الأزمة المتفاعلة.

خلفية فضيحة سيجنال وتفاصيل الحادثة

بدأت الأزمة في ١١ مارس ٢٠٢٥، عندما تلقى جيفري جولدبرج، رئيس تحرير ذي أتلانتيك، طلب اتصال عبر تطبيق سيجنال من حساب يحمل اسم مايك والتز. وبعد يومين، في ١٣ مارس، تلقى جولدبرج إشعارًا بإضافته إلى محادثة جماعية بعنوان "مجموعة الحوثي الصغيرة"، تضم ١٧ من كبار المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك وزير الدفاع بيت هيجسيث، مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، ونائب مستشار الأمن القومي أليكس وونج. وكشفت المحادثة عن خطط عسكرية دقيقة لضرب أهداف تابعة للحوثيين في اليمن، تشمل تفاصيل الأسلحة، الجداول الزمنية، والطائرات المستخدمة.

في ١٥ مارس، وبعد ساعتين من المحادثة، نفذت القوات الأمريكية الضربات، مما أكد صحة المعلومات التي اطلع عليها جولدبرج. ونشرت ذي أتلانتيك تقريرًا مفصلًا في ٢٤ مارس ٢٠٢٥، كشف عن هذا الخرق الأمني الكبير، مما أثار صدمة في الأوساط السياسية والأمنية. وأوضح التقرير أن استخدام سيجنال، وهو تطبيق مشفر لكنه غير مصرح به لمناقشة معلومات حساسة، شكّل تهديدًا للأمن القومي، إذ كانت المعلومات متاحة لمدة ساعتين قبل العملية، مما كان يمكن أن يعرض حياة الجنود الأمريكيين للخطر لو وقعت في الأيدي الخطأ.

تسببت الحادثة في إحراج كبير لإدارة ترامب، خاصة أن والتز، الذي تحمل المسؤولية الكاملة عن إضافة جولدبرج، فشل في تقديم تفسير مقنع لكيفية إدراج رقم الصحفي في هاتفه. وفي مقابلة مع فوكس نيوز، بدا والتز مرتبكًا وهو يحاول تبرير الخطأ، قائلًا: "إذا كان لديك جهة اتصال لشخص آخر، ثم يتم إدراجها بطريقة ما"، مما زاد من حدة الانتقادات. وأشار نائب الرئيس جي دي فانس في تصريحات إلى أن الإقالة لم تكن مرتبطة مباشرة بفضيحة سيجنال، بل كانت جزءًا من إعادة هيكلة الفريق، لكن بوليتيكو كشفت أن ترامب كان يخطط لإقالة والتز منذ أسابيع بسبب هذا الخطأ الفادح.

تداعيات الفضيحة على الأمن القومي

أثارت فضيحة سيجنال تساؤلات خطيرة حول إجراءات الأمن القومي داخل إدارة ترامب. وأشار خبراء أمنيون في تقرير لـ سي إن إن إلى أن استخدام تطبيقات تواصل غير مصرح بها مثل سيجنال لمناقشة عمليات عسكرية حساسة ينتهك البروتوكولات القياسية للحفاظ على سرية المعلومات. وأكد مسؤول استخباراتي سابق أن مثل هذه المحادثات كان يجب أن تُجرى عبر أنظمة اتصالات مصنفة وآمنة، مشيرًا إلى أن "كل إجراء معروف لحماية المواد العملياتية قبل الضربة العسكرية قد تم خرقه".

كما أثارت الحادثة مخاوف من احتمال اختراق المحادثات من قبل جهات أجنبية. فقد كشف تقرير لشركة مانديانت التابعة لجوجل عن محاولات جواسيس مرتبطين بروسيا لاختراق حسابات سيجنال لأفراد عسكريين أوكرانيين، مما يُبرز مخاطر استخدام التطبيق في سياقات حساسة. وأشار مسؤولون إلى أن أي موظف حكومي من المستوى الأدنى كان سيواجه عقوبات فورية، مثل فقدان تصريح الأمان أو الملاحقة القضائية، لو ارتكب خطأ مماثلًا، مما زاد من الانتقادات لعدم مساءلة كبار المسؤولين المشاركين في المحادثة.

ردت الإدارة بالتأكيد أن المعلومات التي نوقشت لم تكن مصنفة، لكن خبراء شككوا في هذا الادعاء، مشيرين إلى أن تفاصيل مثل توقيت الضربات وأنواع الأسلحة تُعتبر عادةً سرية. وأعلن مكتب المفتش العام في البنتاغون عن مراجعة داخلية لاستخدام هيجسيث ومسؤولين آخرين لتطبيق سيجنال، مما يُنذر بتدقيق إضافي في ممارسات الإدارة. وأفادت بوليتيكو أن هذه المراجعة قد تؤدي إلى إجراءات تأديبية إضافية، خاصة أن الفضيحة كشفت عن ثغرات في تدريب المسؤولين على استخدام قنوات الاتصال الآمنة.

تأثير الفضيحة على إدارة ترامب

كانت فضيحة سيجنال نقطة تحول كشفت عن توترات داخلية واضطرابات إدارية في البيت الأبيض خلال الأشهر الأولى من ولاية ترامب الثانية. واجه والتز ضغوطًا متزايدة من داخل الإدارة ومن حلفاء ترامب، خاصة الناشطة اليمينية لورا لومر، التي زارت البيت الأبيض في ٢ أبريل ٢٠٢٥ وحثت ترامب على طرد والتز وعدد من موظفي مجلس الأمن القومي، متهمة إياهم بعدم الولاء. وقدمت لومر ملفًا يحتوي على أبحاث تدعي أن بعض الموظفين، بما في ذلك نائب والتز أليكس وونج، كانوا يعملون ضد أجندة ترامب.

على الرغم من نفي ترامب في البداية لتأثير لومر، فإن الإقالات التي تلت زيارتها، بما في ذلك طرد ستة موظفين من مجلس الأمن القومي، أشارت إلى نفوذها. وأفادت بوليتيكو أن ترامب كان يفكر في إقالة والتز منذ منتصف أبريل ٢٠٢٥، لكنه تأخر بسبب مخاوف من أن يُنظر إلى القرار على أنه استسلام لضغوط لومر والجناح المتطرف في قاعدته. ومع ذلك، جعلت الضغوط المتصاعدة، إلى جانب تقارير صحفية وصفت والتز بأنه "أحمق"، استمراره في منصبه غير ممكن.

في ١ مايو ٢٠٢٥، أعلن ترامب إقالة والتز، مع ترشيحه لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لتخفيف حدة الانتقادات. وأثار هذا القرار ردود فعل متباينة، حيث اعتبر البعض أن الترشيح لمنصب دبلوماسي رفيع يُظهر تساهلًا مع الخطأ، بينما رأى آخرون أنه محاولة لإبعاد والتز عن دائرة الأمن القومي دون إثارة جدل إضافي. وأكدت مصادر في البيت الأبيض لـ بوليتيكو أن ترامب كان "غاضبًا للغاية" من الفضيحة، خاصة أنها أعطت الديمقراطيين مادة لانتقاد إدارته وأثارت مخاوف من إضعاف مصداقيته في إدارة الأمن القومي.

ردود الفعل السياسية والضغوط الداخلية

أثارت الفضيحة موجة من ردود الفعل السياسية، حيث استغل الديمقراطيون الحادثة لتصوير إدارة ترامب على أنها "غير منضبطة" و"غير مؤهلة". ودعا زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إلى طرد هيجسيث أيضًا، مشيرًا إلى أن الفضيحة تُظهر "انهيارًا كاملًا في الأمن". كما توقع شومر أن يواجه والتز جلسات استماع "قاسية" في حال تقدم ترشيحه لمنصب السفير، مما قد يُعقد مسار تأكيده.

من جهة أخرى، أثارت الفضيحة انقسامات داخل الحزب الجمهوري. فقد دعم بعض الحلفاء المقربين من ترامب، مثل النائب مات جايتس، قرار الإقالة، معتبرين أن والتز "أظهر عدم الكفاءة". في المقابل، حذر آخرون، مثل السيناتور ليندسي جراهام، من أن الإقالات المتكررة قد تُضعف استقرار الإدارة في وقت تتصاعد فيه التحديات الجيوسياسية، بما في ذلك التوترات في الشرق الأوسط والمفاوضات بشأن الحرب في أوكرانيا. وأشارت بوليتيكو إلى أن بعض الجمهوريين عبروا عن قلقهم من أن استمرار نفوذ شخصيات مثل لومر قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى داخل الإدارة.

التوقعات المستقبلية والدروس المستفادة

يُتوقع أن تترك إقالة والتز تداعيات طويلة الأمد على إدارة ترامب، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية المعقدة. وقد أعلن ترامب أن وزير الخارجية ماركو روبيو سيتولى منصب مستشار الأمن القومي مؤقتًا، بينما ذكرت تقارير لـ بلومبرغ أن المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، الذي أجرى محادثات مع فلاديمير بوتين، قد يكون مرشحًا دائمًا، رغم نفيه رغبته في المنصب. وأشارت مصادر لـ بوليتيكو إلى أن ترامب يسعى إلى اختيار مرشح يجمع بين الولاء السياسي والخبرة الأمنية، مع التركيز على استعادة الثقة في فريقه الأمني بعد هذه الفضيحة.

من المتوقع أن تؤدي الفضيحة إلى مراجعة شاملة لسياسات الاتصالات داخل البيت الأبيض، مع تركيز على تعزيز استخدام الأنظمة الآمنة وتقليل الاعتماد على تطبيقات تجارية مثل سيجنال. وأفادت بوليتيكو أن الإدارة بدأت بالفعل في تطوير برامج تدريب جديدة لضمان التزام المسؤولين ببروتوكولات الأمان، مع احتمال فرض عقوبات أكثر صرامة على الانتهاكات المستقبلية. كما ستزيد الضغوط على ترامب لتعيين فريق أكثر انضباطًا، خاصة مع تصاعد الانقسامات داخل الحزب الجمهوري بين أنصاره التقليديين والجناح الأكثر تطرفًا.

على المستوى السياسي، ستظل الفضيحة نقطة استغلال للديمقراطيين، الذين وصفوا إدارة ترامب بأنها "مجموعة من الهواة"، مما قد يؤثر على الديناميكيات في الانتخابات النصفية المقبلة. ومع ذلك، فإن قدرة ترامب على تحويل التركيز إلى إنجازات مثل التعريفات الجمركية أو توسيع اتفاقيات إبراهام قد تخفف من تأثير الفضيحة على شعبيته بين قاعدته.

 

تُعد فضيحة سيجنال واحدة من أخطر الأزمات التي واجهت إدارة ترامب في بداية ولايته الثانية، حيث كشفت عن ثغرات خطيرة في إجراءات الأمن القومي وأثارت تساؤلات حول كفاءة فريقه القيادي. وجاء طرد مايك والتز كمحاولة لاحتواء الأزمة، لكنه سلط الضوء على التوترات الداخلية والضغوط السياسية التي تهدد استقرار الإدارة. ومع استمرار التحقيقات وإعادة هيكلة الفريق الأمني، ستظل هذه الحادثة درسًا قاسيًا حول أهمية الانضباط في التعامل مع المعلومات الحساسة، خاصة في عالم يتسم بالتوترات الجيوسياسية. وكما استعرضت بوليتيكو، فإن هذه الفضيحة قد تكون بداية لتغييرات أوسع في إدارة ترامب، التي تسعى لاستعادة السيطرة وسط عاصفة من الانتقادات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق