"الدب الروسي لا يموت جوعا".. كيف اخترقت موسكو الحصار الاقتصادي؟

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
صور: هسبريس
توفيق بوفرتيح من موسكوالسبت 3 ماي 2025 - 00:00

كشجرة الصنوبر السيبيري التي تقاوم عواصف الشتاء الباردة بكل صلابة في غاباتها الشمالية، صمدت روسيا بثبات في مواجهة موجة العقوبات الغربية التي تجاوزت 29 ألف عقوبة وشملت مختلف المجالات والقطاعات الإنتاجية، وهدفت إلى عزل روسيا اقتصاديا ومنع تمويل جهودها العسكرية في أوكرانيا، لكن هذا الحصار لم يكن نهاية المطاف لموسكو، التي اعتادت التعامل مع العقوبات، بل تحوّل إلى حافز لإعادة تشكيل الاقتصاد الوطني وفرصة لتعزيز السيادة الاقتصادية لأكبر دولة في العالم.

لم يكن الأمر مجرد مقاومة اقتصادية لسياسات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، بل تحوّل إلى ملحمة وطنية سطرتها أيادي العمال في المصانع وعبقرية المهندسين في المختبرات، بالإضافة إلى إصرار ربات البيوت اللائي استبدلنَ منتجات الرفاهية الغربية ببدائل محلية خالصة؛ إذ حرّرت روسيا طاقاتها الكاملة، وضاعفت وتيرة الاستثمار في البنية التحتية، وفتحت الباب أمام الشركات ورواد الأعمال المحليين، الذين قادوا موجة غير مسبوقة من التصنيع المحلي في مختلف المجالات.

في شوارع العواصم الروسية الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبورغ، اختفت لافتات سلسلة مطاعم “ماكدونالدز” الأمريكية، وحلّت محلها سلسلة “فنكا” الروسية، بينما تحولت مقاهي “ستاربكس” إلى “روسكي كوفي”، التي تفوح منها رائحة القهوة الممزوجة بالفخر الوطني. وهذا ينطبق على العديد من الشركات الغربية التي غادرت السوق الروسية، تاركة المجال للروس لإعادة بناء اقتصادهم تحت شعار “صُنع في روسيا”.

لم تقتصر جهود روسيا على استبدال السلع الاستهلاكية الغربية فحسب، بل أطلقت أيضا منظومتها الرقمية الخاصة. ففي قطاع التكنولوجيا، لم تعد الأجهزة والحلول الغربية مهيمنة، حيث برزت شركات روسية تقدم حلولا تنافسية، بل ونجح بعضها في الوصول إلى الأسواق العالمية.

في هذا الإطار، شهدت سوق التطبيقات الروسية تحولا جذريا؛ فقد استغنى الروس عن منصتي “فيسبوك” و”إنستغرام” لصالح المنصة المحلية “VK”، وحلّ تطبيق “ياندكس غو” محل “أوبر” في خدمات النقل الذكي، بينما ظهرت منصة “روستوك” كبديل لـ”غوغل بلاي”، في خطوة تهدف إلى تعزيز السيادة الرقمية وبناء حصن إلكتروني منيع ضد العواصف الجيو-سياسية.

على الصعيد الخارجي، أجبرت العقوباتُ الغربية، بما في ذلك حرمان روسيا من نظام “سويفت” للمعاملات المالية الدولية، موسكو على تعزيز تعاونها مع دول الشرق وآسيا الوسطى والقوقاز، وخاصة الصين، التي انضمت إلى النظام المالي الروسي البديل “SPFS” وحققت المبادلات التجارية الروسية معها أرقاما غير مسبوقة، وكأن التاريخ يدفع باتجاه تحالف هذين العملاقين لإعادة صياغة نظام عالمي جديد يهزّ هيمنة الغرب.

لم يلعب الروس دور الضحية أمام العقوبات الأمريكية والأوروبية، بل انطلقوا بثبات لبناء عالم موازٍ، بعيداً عن أحلام الغرب الذي تمنى رؤية روسيا منهارة، لكن ما حدث كان العكس تماما، بفضل الصمود الروسي الذي ليس مجرد رد فعل، بل فلسفة حياة متجذرة في ثقافتهم، خاصة بعد أن أدركوا أن الاعتماد على الذات لم يعد خيارا، بل ضرورة استراتيجية في عالم لا يرحم إلا الأقوياء.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا

اشترك

يرجى التحقق من البريد الإلكتروني

لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.

لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق