لم تكن قمة FDC للأمن السيبراني 2025، التي استضافتها القاهرة بين 28 و30 أبريل، مجرد فعالية تقنية ضمن أجندة المؤتمرات، بل كانت بمثابة إعلان استراتيجي واضح بأن مصر تعتزم أن تكون لاعبًا رئيسيًا في مشهد الأمن السيبراني الإقليمي والدولي.
في ظل التزايد الكبير للهجمات الرقمية وتعقيد أشكالها، اتخذت القمة طابعًا مختلفًا؛ إذ جمعت بين صناع القرار، وخبراء التكنولوجيا، ورواد الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، في محاولة لتجاوز التنظير المعتاد نحو نتائج عملية قابلة للتنفيذ.
ما ميّز هذه الدورة تحديدًا، هو حضور مؤسسات حكومية مثل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وشركات أمن معلومات عالمية مثل Thales وPalo Alto Networks، في مشهد عكس جدية الدولة وقطاعاتها الحيوية في وضع الأمن السيبراني على رأس أولوياتها، ليس فقط كشأن تقني، بل كجزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي والاقتصادي.
القمة كشفت عن ملامح خارطة طريق جديدة للأمن السيبراني في مصر، أبرزها السعي لتدشين مؤشر أفريقي موحد لقياس جاهزية الدول لمواجهة التهديدات الرقمية، وهي خطوة استراتيجية تعزز من موقع مصر كقوة إقليمية تمتلك الخبرة والرؤية والتأثير.
من جهة أخرى، أظهرت القمة اهتمامًا واضحًا بتوطين التكنولوجيا وبناء شراكات مع القطاع الخاص، ما يُمهّد الطريق لتأسيس بيئة سيبرانية مستدامة ومبنية على الابتكار المحلي. هذا التوجه يعكس فهمًا عميقًا بأن أمن البيانات لا يتحقق فقط بالبرمجيات المستوردة، بل بتمكين العقول المصرية التي تقف في الخطوط الأمامية للمواجهة.
ورغم الحضور اللافت والأوراق البحثية الغنية، تظل التحديات قائمة، فالمسألة لا تتوقف عند التوصيات أو مذكرات التفاهم، بل تتطلب ترجمة فورية لهذه المخرجات إلى خطط تنفيذية؛ من خلال تطوير التشريعات، وبناء كوادر بشرية مؤهلة، وتعزيز الثقافة السيبرانية في المجتمع.
باختصار، قمة FDC شكلت نقطة انطلاق مهمة في مسار التحول الرقمي الآمن. لكن بقاء الزخم مرهون بقدرتنا على التنفيذ، لأن الأمن السيبراني اليوم ليس رفاهية ولا خيارًا، بل هو الحصن الأخير لدول تسعى للبقاء والسيادة في عالم رقمي بلا حدود.
0 تعليق