يترقب معظم التلاميذ العطلة الربيعية بشغف كبير، متطلعين إلى أيام خالية من جداول الدراسة والواجبات. وتنبع هذه اللهفة من الرغبة في كسر روتين الفصل الدراسي والانطلاق في رحلات واستكشاف الطبيعة، مستفيدين من دفء الطقس وجمال الأجواء الربيعية.
وتحتلف مواقف الأسر من العطلة الربيعية، حيث تُلزم بعض الأسر أبناءها بالمراجعة وحضور حصص الدعم المدرسي استعدادا للامتحانات المرتقبة، معتبرة العطلة فرصة لتعويض ما فات، في الوقت الذي ترى أسر أخرى أن العطلة وجدت للراحة والانفصال عن جو الدراسة استعدادًا للعودة بنشاط وتركيز أكبر.
الحاجة إلى الراحة
حذّر هشام العفو، متخصص وباحث في علم النفس المدرسي، من الممارسات التربوية التي تُحمّل التلاميذ أعباء إضافية خلال فترات العطل، داعيًا إلى إعادة النظر في تصور وظيفة العطلة المدرسية وضمان الحق في الراحة النفسية والذهنية.
وفي هذا الإطار، قال العفو، بخصوص موضوع استثمار العطلة ما بين المراجعة وتثبيت المكتسبات بالنسبة للمتعلمين، أو اعتبارها مرحلة لاستجماع الطاقة ومرحلة راحة، إن “الصواب من داخل تخصص علم النفس المدرسي أو تخصص علم النفس التربوي أساسًا هو أن العطلة مرحلة تأتي بعد جهد وعمل وممارسة تعلمية يبذلها التلميذ طيلة مسار معين، قد يمتد لشهر أو شهر وأسبوعين”.
وأضاف أن “العلماء أكدوا على ضرورة أن يتوقف الذهن عن الاشتغال بذلك الشكل، ثم يعيد ترتيب أدوات اشتغاله وتحليله واستيعابه للمعطيات، من خلال مجموعة من العمليات التي يجب استدماجها وإدخالها في الممارسة الذهنية، خصوصًا بالنسبة للفئة دون سن 18 سنة، التي تحتاج إلى تحليل المعطيات والتخطيط للمشاريع”.
وأشار المتخصص والباحث في علم النفس المدرسي إلى أن “هذه الفئة تحتاج إلى فراغ ذهني ضروري من خلال ترميم المسارات، وتجديد عمليات معالجة المعطيات، ولذلك يؤكد علم النفس المعرفي في تأطيره الإبستمولوجي والمنهجي لعلم النفس المدرسي على ضرورة التوقف عن اتباع مسار تعلمي معين، والقيام بأعمال أخرى ترتبط بالمهارات الفردية والاجتماعية، وتتعلق أساسًا بتطوير العلاقات الأسرية والعائلية والاجتماعية”.
وأبرز أن “مسألة بناء متعلم شبه متكامل تستدعي بالضرورة إعطاء فرص للراحة، ومن هذا المنطلق نعتبر من داخل تخصص علم النفس أن العطلة هي فترة راحة بشكل أساسي، ولهذا تسمى العطلة، وهي من “العطالة”، بمعنى توقيف العمل أو التوقف عن الاشتغال، والقيام بمهام أخرى بشكل حر وإرادي من طرف المتعلم”.
واسترسل قائلا: “خلال العطلة لا يكون للمتعلم زمن معين للذهاب إلى المدرسة، والقيام بمجموعة من العمليات والمهام تحت طائلة التهديد بالعقوبة أو غير ذلك، وبالتالي من الضروري أن نمنح المتعلم مساحة من الراحة والحرية من أجل تنفيس انفعالاته، وتفريغ بعض إحباطاته ومشاعر الفشل لديه”.
تنفيس وسفر ورياضة
ولفت العفو إلى ما يسمى “التنفيس الانفعالي النفسي”، مبرزا أنه يساهم في “إعادة ضبط الممارسة الذهنية والعاطفية والعلائقية داخل المدرسة”، ومنبها إلى أن “مسألة الساعات الإضافية داخل العطلة مسألة غير مقبولة تمامًا، سواء على المستوى العلمي السيكولوجي أو التربوي والاجتماعي، وحتى على المستوى العاطفي”.
وأضاف أن “الساعات الإضافية في العطلة قد تساهم في خلق نوع من التوتر أو القلق المبالغ فيه، وقد تتسبب أيضًا في نوع من النفور، خصوصًا بعد العطلة”، معبرا في هذا الإطار عن رفضه بشكل تام أن “تكون مرحلة العطلة مرحلة إعداد أو اشتغال أو عمل بالنسبة للمتعلمين لأنها مرحلة راحة ويجب أن تؤخذ بهذا الشكل”.
وأكد المتخصص في علم النفس المدرسي أن “المتعلم من حقه القيام بأمور أخرى خلال العطلة، منها الرياضة والسفر، حتى يجدد طاقته، ويكون في أفضل أحواله، لأن الملاحظ عند المتعلمين بعد العطلة هو استنزاف الطاقة، وعدم القدرة على مواكبة المسارات التعلمية، خصوصًا أن الامتحانات تأتي مباشرة بعد العطلة”.
وقال إن “مسألة أجرأة الاستراتيجية التعلمية والتربوية يجب أن يُعاد فيها النظر، ويُمنح التلميذ الحق الكامل في أن يتمتع بفترة راحته، خاصة مع ظهور مسار جديد في الآونة الأخيرة، يتمثل في أن بعض مراكز الدعم التربوي والساعات الإضافية خلال العطلة تستغل النهار والليل بشكل كامل، من السادسة صباحًا إلى الخامسة صباحا، وهذا يسبب استنزافًا تامًا للتلميذ بسبب ساعات إضافية بمقابل مادي”.
وختم المتخصص والباحث في علم النفس المدرسي حديثه بالإشارة إلى أن “هذا النوع من الساعات الإضافية في العطل المدرسية غير مقبول تمامًا، ويجب على الوزارة الوصية والسلطات المحلية أن تتدخل لإيقاف هذه الممارسات، التي قد تُدمّر بشكل تام وكامل الاستعداد النفسي أو البدني والجسمي للمتعلمين”.
التحضير الدراسي
قال جبير مجاهد، باحث في الشأن التربوي، إن “العطلة تُعد من الفترات الأساسية في حياة التلميذ، فهي تأتي عقب مجهود دراسي طويل ومتواصل، مما يجعلها فرصة ضرورية لالتقاط الأنفاس واستعادة التوازن”، مضيفا أن “منح التلميذ وقتًا للراحة بعد ضغط الدروس يساعده على تجديد طاقته واستئناف الدراسة لاحقًا بنشاط أكبر وتركيز أفضل”.
وأكد المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، على ضرورة “استثمار العطلة بشكل إيجابي لأنها تُعد فترة ملائمة للراحة النفسية والجسدية”، مشيرا إلى أن “الابتعاد المؤقت عن أجواء الدراسة يُمكن التلميذ من تصفية ذهنه وتخفيف حدة التوتر، كما أن استغلال هذه المدة في أنشطة ترفيهية هادفة يساعد على استعادة الحيوية والتوازن الضروريين لمواصلة المسار الدراسي بفعالية”.
وتابع قائلا: “رغم أهمية الراحة لا ينبغي إهمال الجانب الدراسي خلال العطلة، إذ تُعد مناسبة للتحضير المبكر للامتحانات عبر تنظيم وقت للمراجعة المنتظمة، والتلميذ الذي يخصص جزءًا من عطلته للمذاكرة يتمكن من ترسيخ مكتسباته وتجاوز الصعوبات، مما يسهل عليه الاستيعاب لاحقًا ويوفر له ثقة أكبر أثناء فترة الاختبارات”.
ونبّه الباحث في الشأن التربوي إلى أن “الاستعداد المبكر للامتحانات له أثر بالغ في تقليل التوتر والقلق، وحين يباشر التلميذ مراجعة دروسه خلال العطلة بشكل تدريجي ومدروس، يشعر براحة نفسية كبرى، وهذا التدرج في التحضير يسمح له ببناء خطة واضحة، مما يعزز ثقته بنفسه ويمنحه شعورًا بالتحكم في وقته ومهامه الدراسية”.
0 تعليق