تعد صيدلية ستيفنسون في قلب عروس القاهرة، وسط ميدان مصطفى كامل، شاهداً حياً على تاريخ مصر الطبي العريق، حيث تجمع بين التراث والأصالة في عالم الصيدلة. في هذا التقرير، نستكشف كيف تحولت هذه الصيدلية إلى رمز للإرث الثقافي، من خلال حوار مع مالكها، زهير سلمان، الذي يشارك قصة عائلته وتطور هذا المكان عبر العقود.
أقدم صيدلية في مصر
يشكل هذا الصرح التاريخي نموذجاً فريداً للصيدلة في مصر، حيث تمثل “أجزخانة ستيفنسون” نقطة ارتكاز للتراث الدوائي منذ أكثر من قرن. زهير سلمان يعبر عن فخره بأن هذه الصيدلية ليست مجرد متجر للأدوية، بل هي حارسة لقصص وذكريات تاريخية. يروي كيف كان جدّه، إحسان سلمان، قد اشترى المكان من مؤسسه الأصلي، الإنجليزي جورج ستيفنسون، الذي سافر عبر العالم قبل أن يقرر إقامة صيدلية في قلب القاهرة عام 1899، بعد أن أعجب بموقعها المتميز. الديكورات الأثرية، المستوردة مباشرة من إنجلترا، لم تُغير على مدار السنين، مما يحافظ على جوها القديم، ويعكس التزام العائلة بحفظ الهوية التاريخية للمكان.
رحلة في صيدلية تراثية
تستمر رحلتنا في استكشاف تفاصيل هذه الصيدلية التراثية، حيث يبرز زهير سلمان أهمية الاحتفاظ باسم “ستيفنسون” لأنه كان مرتبطاً بسمعة قوية في ذلك العهد، إلى درجة أن الأطباء كتبوا اسمه على الروشتات الطبية ليوصوا به للمرضى. هذا الاسم لم يكن مجرد علامة تجارية، بل رمزاً للجودة والثقة في مجال الصيدلة. بالإضافة إلى ذلك، يتناول زهير تطور مصطلحات الصيدلة، موضحاً كيف كان “أجزخانة” الاسم الشائع قديماً، مستمداً أصوله من اللغة التركية، بينما أصبح “صيدلية” أكثر انتشاراً مع انتشار مظاهر الحداثة في مصر. من بين الكنوز التي تحتفظ بها الصيدلية، يأتي “دستور الأدوية” القديم، وهو مرجع طبي دقيق كان يُستخدم لتركيب الأدوية وفق نسب محددة، وهو الآن الوحيد من نوعه في مصر، رغم أنه غير مستخدم رسمياً الآن. هذا الدستور يمثل جزءاً من التراث الذي يروي قصة عصر مضى، حيث كانت الصيدليات تتعاون في فترات العطلات، خاصة الصيفية، لضمان توفر الأدوية دائماً، مع روعة التنسيق بين الصيادلة.
بالإضافة إلى الجوانب التاريخية، يسلط زهير الضوء على الروابط الإنسانية التي كانت تربط بين الأطباء والصيادلة في الماضي. في أيام الجمعة، كانت الأجزخانة تجمع الأطباء مع والده لتناول القهوة وتبادل الأحاديث، مما يعكس جواً من الدفء والتعاون الذي غاب عن عصرنا الحديث. هذه اللقاءات لم تكن مجرد اجتماعات عادية، بل كانت تعزز روابط المجتمع الطبي، حيث كان الجميع يساهم في بناء نظام دعم متكامل للصحة العامة. اليوم، تظل صيدلية ستيفنسون مصدر إلهام، تجذب الزوار الذين يتوقفون أمام واجهتها العتيقة، محاولين استذكار تلك العصور. زهير يدعو الجميع للدخول واستكشاف هذا التاريخ، مؤكداً أن الحفاظ على هذا الإرث يعني الحفاظ على جزء من هوية مصر الثقافية.
في الختام، تعكس صيدلية ستيفنسون قصة نجاح متواصل، تجمع بين التقاليد القديمة والحداثة، محافظة على دورها كواحدة من أبرز معالم الصحة في مصر. من خلال هذه الرحلة، ندرك أن التراث ليس مجرد ذكريات، بل هو جزء حي يستمر في تشكيل حاضرنا، مما يجعل من هذه الصيدلية رمزاً للاستمرارية والتميز في عالم الصيدلة.
0 تعليق