تتزيّن باريس بمعالم تأسر القلوب قبل العيون، من ضفاف نهر السين الحالمة إلى شوارع الشانزليزيه المترفة، مرورًا باللوفر وسحر فنونه، وصولًا إلى التاج الحديدي الذي يعلو المدينة بفخر “برج إيفل”، الرمز الأشهر لفرنسا، وأحد أعظم الإنجازات الهندسية في العالم، فمنذ أن شُيّد في عام 1889، بات البرج أكثر من مجرد هيكل معدني؛ وأصبح أيقونة تتوسط الأفق الباريسي، ووجهة يتقاطر إليها الملايين سنويًا للتمتع بمنظر المدينة، حيث يبدو التاريخ نابضًا من كل زاوية، ولا يكتمل حديث عن باريس دون ذكر هذا المعلم الفريد الذي اختصر في قامته روح المدينة وأصالتها.

زي النهارده.. افتتاح برج إيفل للجمهور
ففي مثل هذا اليوم، “6 مايو عام 1889”، شهدت العاصمة الفرنسية باريس لحظة تاريخية فارقة بافتتاح أحد أشهر المعالم في العالم أمام الجمهور، وهو برج إيفل، الذي أصبح منذ ذلك الحين رمزًا عالميًا للمدينة، وواحدًا من أبرز الإنجازات المعمارية في العصر الحديث، وقد افتُتح البرج كجزء من المعرض العالمي (إكسبو 1889)، الذي نُظم احتفالًا بالذكرى المئوية للثورة الفرنسية، وقد صممه المهندس الشهير “جوستاف إيفل”، الذي نُقش اسمه لاحقًا على جدران المجد بفضل هذا العمل الجريء والمبتكر.
كان برج إيفل البالغ ارتفاعه 300 متر أطول مبنى في العالم عند افتتاحه للجمهور، ولم يُكسر هذا الرقم إلا بعد أكثر من أربعين عامًا، وقد أدهش البرج زواره الأوائل بهيكله المعدني الضخم والمبتكر، إذ تم تجميع أكثر من 18 ألف قطعة حديدية باستخدام أكثر من مليون مسمار، في وقت لم يكن فيه التطور الصناعي كما نعرفه اليوم.

تاريخ برج إيفل.. تم وصفه بالبداية بالعمود الحديدي البشع
ورغم هذه العظمة، لم يكن استقبال الباريسيين للبرج في البداية بالإجماع؛ فقد هاجمه كثير من الفنانين والمثقفين آنذاك، واعتبروه تشويهًا لأفق المدينة، بل أطلق عليه البعض "العمود الحديدي البشع"، لكن ما لبث أن تحول إلى رمز محبوب وعلامة فارقة في الهوية الفرنسية، إذ أصبح مع مرور السنوات عنصرًا مركزيًا في الثقافة البصرية والسياحية لفرنسا.
ومنذ افتتاحه للزوار، جذب برج إيفل ملايين السيّاح من جميع أنحاء العالم، ويُقدّر أن نحو 7 ملايين شخص يزورونه سنويًا، ما يجعله من أكثر المعالم استقطابًا للسياح في العالم، وأصبح مسرحًا للفعاليات الثقافية والعروض الضوئية، ومعلمًا يحتفل من خلاله الفرنسيون بلحظاتهم الوطنية الكبرى، وليس فقط منصة لمشاهدة باريس من الأعلى.
واليوم، وبعد مرور أكثر من 130 عامًا على افتتاحه، لا يزال برج إيفل يقف شامخًا، متحديًا الزمن، شاهدًا على عبقرية الإنسان وقدرته على صناعة الدهشة من الحديد والخيال، فهو قصيدة عملاقة من المعدن، تروي حكاية عشق لا تنتهي بين باريس والسماء.
0 تعليق