في السابع من مايو 2020، أعلن علماء الفلك في مرصد لا سيلا التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي، عن اكتشاف استثنائي لـ ثقب أسود جديد يقع في نظام نجمي ثلاثي داخل مجرة درب التبانة، أطلق عليه اسم HR 6819، ويبعد حوالي 1000 سنة ضوئية عن الأرض، ما يجعله أقرب ثقب أسود مكتشف حتى ذلك الوقت.
وتميّز هذا الثقب الأسود عن غيره من الثقوب السوداء المعروفة، كونه أول ثقب أسود يتم رصده دون الحاجة إلى أدوات رصد الأشعة السينية التي عادة ما تستخدم في اكتشاف هذه الأجسام الغامضة، ولم يكن الثقب الأسود نفسه مرئيًا بشكل مباشر، لكنه تم الاستدلال عليه من خلال حركة النجمين المرتبطين به في النظام الثلاثي، حيث لوحظ أن أحد النجمين يدور حول "شيء غير مرئي" ضخم الكتلة خلال فترة 40 يومًا.
اكتشاف ثقب أسود يدور حول كتلة غامضة تعادل 4 أضعاف كتلة الشمس
وأوضح فريق العلماء أن الكتلة الغامضة كانت تعادل ما يقارب أربعة أضعاف كتلة الشمس، ولا تُصدر أي ضوء، ما دفعهم للاعتقاد بأنه ثقب أسود غير نشط، وهي فئة من الثقوب السوداء يُعتقد أنها شائعة في مجرتنا، لكن يصعب اكتشافها بسبب غياب الإشعاع.
وقالت الفيزيائية الفلكية ماريان هايداميك، أحد أعضاء فريق البحث: "لقد فوجئنا جدًا عندما أدركنا أن هذا النظام يحتوي على ثقب أسود غير مرئي، وهو الأقرب للأرض حتى الآن، مما يفتح الباب أمام اكتشافات أخرى مماثلة قد تكون قريبة منا دون أن ندرك".
ويكمن عنصر الإثارة الإضافي في أن النجمين في هذا النظام يمكن رؤيتهما بالعين المجردة من نصف الكرة الجنوبي، وتحديدًا من أماكن خالية من التلوث الضوئي، مما يجعل هذا الثقب الأسود أول من نوعه الذي يُكتشف في نظام مرئي بالعين المجردة، ويؤكد هذا الاكتشاف نظريات سابقة تشير إلى وجود عدد كبير من الثقوب السوداء "الصامتة" التي لا تصدر إشعاعات، لكن يمكن اكتشافها من خلال تأثيرها على الأجسام المحيطة بها، ومع تقدم تقنيات الرصد والتحليل، يتوقع العلماء أن يكون هذا الاكتشاف مجرد بداية لسلسلة من الاكتشافات التي ستعيد تشكيل فهمنا لطبيعة مجرتنا.
ومن جانبه، أوضح “الدكتور توماس ريفينيوس”، عالم الفيزياء الفلكية والمعدّ الرئيس للدراسة، أن رصد جسم غير مرئي بكتلة لا تقل عن أربعة أضعاف كتلة الشمس لا يمكن تفسيره إلا بوجود “ثقب أسود”، وقال: "حين نجد جسمًا بهذا الحجم لا يُصدر أي ضوء، ولا نراه إلا من خلال تأثيره الجاذبي على النجوم المحيطة به، فإن التفسير الوحيد الممكن هو أنه ثقب أسود"، وتابع ريفينيوس "هذا النظام النجمي يحتوي على أقرب ثقب أسود نعرفه حتى الآن إلى كوكب الأرض".
اكتشاف ثقب أسود يمكن رؤيته بالعين المجردة
وأعرب “بيتر هادرافا”، الباحث المشارك من أكاديمية العلوم التشيكية في براغ، عن دهشته من طبيعة هذا النظام، قائلًا: “فوجئنا تمامًا عندما أدركنا أننا أمام أول نظام نجمي مرئي بالعين المجردة يحتوي على ثقب أسود، إنه اكتشاف نادر بكل المقاييس”.
وقد لفتت الدراسة إلى أن العلماء تمكنوا حتى اليوم من رصد حوالي 25 ثقبًا أسود في مجرتنا، والتي تضم في مركزها ثقبًا هائلًا، إلا أن هذا الاكتشاف يسلط الضوء على فئة من الثقوب السوداء التي تُعرف بـ"الصامتة" أو غير النشطة، والتي يصعب اكتشافها لأنها لا تصدر إشعاعات يمكن رصدها بسهولة.
وفي تعليق إضافي، قال “بيار كيرفيلا”، عالم الفلك في مرصد "بي إس إل" في باريس، أن “الثقوب السوداء النجمية لا تزال مجهولة نسبيًا، لكننا نعتقد بوجود عدد كبير منها في درب التبانة، إذ إنها تمثل المرحلة النهائية في حياة النجوم الضخمة”.
0 تعليق