شهدت شبه القارة الهندية تحوّلات كبيرة في منتصف القرن العشرين، بعد الاستعمار البريطاني الذي دام قرابة 200 عام. وأدى ذلك إلى استقلال الهند وباكستان عام 1947، وهو حدث ترك تأثيرات عميقة سياسية واجتماعية ما زالت ظاهرة حتى اليوم.
السيطرة البريطانية على الهند
بدأت السيطرة البريطانية على الهند بشكل فعلي في منتصف القرن التاسع عشر، خصوصًا بعد "ثورة 1857"، حيث تحوّلت إدارة البلاد إلى التاج البريطاني.

المطالبة بالاستقلال
ظهرت حركات وطنية تطالب بالاستقلال، مثل حزب المؤتمر الهندي بقيادة شخصيات مثل المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو، وحركة الرابطة الإسلامية بقيادة محمد علي جناح التي كانت تمثل المسلمين في شبه القارة.
شبه القارة الهندية تستقل عن البريطانيين

في 15 أغسطس 1947، حصلت شبه القارة الهندية على استقلالها عن البريطانيين، ما أسفر عن دولتين، لكن حدود الدولتين الجديدتين – الهند ذات الأغلبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة – تم رسمها على عجل، مما أدى إلى واحدة من أكبر الهجرات الجماعية في التاريخ وأدى إلى بعض أسوأ أعمال العنف الطائفي التي شهدتها شبه القارة الهندية على الإطلاق.
ومنذ ذلك الحين، تردد صدى إرث هذا الانفصال العنيف، والذي شمل العديد من الحروب التي خاضها البلدان ضد بعضهما البعض.
الحكم البريطاني والاستقلال عنه
بدأ الحكم البريطاني في الهند في عام 1757 عندما بدأت شركة الهند الشرقية الإنجليزية في ممارسة السيطرة على البلاد بعد الانتصار البريطاني في معركة بلاسي.
حكمت شركة الهند الشرقية الهند لمدة 100 عام، حتى تم استبدالها بالحكم البريطاني المباشر، في أعقاب التمرد الهندي في 1857-58، وبدأت حركة الاستقلال الهندية خلال الحرب العالمية الأولى وقادها المهاتما غاندي، الذي دعا إلى إنهاء سلمي وغير عنيف للحكم البريطاني.
لجأ البريطانيون إلى تطبيق قانون مكافحة التحريض المثير للجدل، واعتقلوا غاندي بتهمة التحريض وإثارة الفتنة لمدة عامين، وقال حينها جملته الشهيرة: إن القانون “صُمم لقمع حرية المواطن”.
غاندي يسافر إلى الهند
وسافر غاندي إلى لندن في عام 1931 لحضور مؤتمر الطاولة المستديرة كممثل وحيد للمؤتمر الوطني الهندي، وقدم صورة قوية وهو يرتدي ملابسه الهندية التقليدية، وفشل المؤتمر بالنسبة لغاندي، الذي كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 62 عامًا.

طريق الاستقلال
ساعد الضعف الذي أصاب بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية في إحكام قبضتها على الهند، في تحقيق أهداف غاندي، فقررت الإمبراطورية إنهاء وجودها في شبه القارة الهندية وتسليم السلطة إلى إدارة هندية.
ولكن الخلافات هيمنت آنذاك بين أكبر قيادتين سياسيتين في البلاد، وهما جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح، فقد كان نهرو، زعيم حزب المؤتمر وأول رئيس وزراء في الهند المستقلة، معارضا لمبدأ تقسيم البلاد على أسس دينية، أما محمد علي جناح، زعيم عصبة مسلمي الهند، والذي أصبح حاكمًا عامًا لباكستان عقب التقسيم، كان مصرّا على أن لمسلمي الهند الحق في تأسيس دولة خاصة بهم.

ورغم تأكيدات حزب المؤتمر على قيمه العلمانية فقد كان العديد من المسلمين متشككين ويخشون أن تسعى الأغلبية الهندوسية إلى تهميشهم.
وكان جناح نفسه من دعاة الوحدة بين الهندوس والمسلمين، وعضوًا في حزب المؤتمر في البداية قبل أن يغير موقفه ويقطع علاقته بالحزب الذي شك في أنه يسعى لتهميش المسلمين، وبعد خروجه من المؤتمر ترأس جناح العصبة الإسلامية.
قاد وزير الدولة البريطاني لشؤون الهند وبورما، بيثيك لورانس، في عام 1946 وفدًا وزاريًا إلى نيودلهي على أمل حل الأزمة بين حزب المؤتمر والعصبة الإسلامية، وبالتالي نقل السلطة البريطانية إلى إدارة هندية واحدة.
أسباب التقسيم
- التوترات الدينية بين الهندوس والمسلمين.
- مطالبة المسلمين بدولة مستقلة تحفظ حقوقهم، نتيجة الخوف من التهميش في دولة ذات أغلبية هندوسية.
- تصاعد أعمال العنف الطائفي في الثلاثينات والأربعينات.
- فشل الحلول السياسية لتكوين دولة موحدة متعددة الأديان.
مقترحات التقسيم
وحمل الوفد البريطاني خطة تقترح اتحادا فيدراليا من 3 مستويات للهند يتمثل في حكومة مركزية في دلهي، والتي ستقتصر أعمالها على الشؤون الخارجية والاتصالات والدفاع والشؤون المالية المطلوبة لرعاية مثل هذه الأمور على مستوى الاتحاد فقط.
كما اقترحت الخطة تقسيم شبه القارة الهندية إلى 3 مجموعات رئيسية من المقاطعات: المجموعة أ، وتشمل المقاطعات ذات الأغلبية الهندوسية في بومباي، ومدراس، وبيهار، وأوريسا، والمقاطعات الوسطى (تقريبا كل ما أصبح الهند بعد الاستقلال)، والمجموعة ب، وتشمل المقاطعات ذات الأغلبية المسلمة في البنجاب والسند والحدود الشمالية الغربية وبلوشستان (المناطق التي شكلت باكستان لاحقا)، والمجموعة ج، وتشمل البنغال ذات الأغلبية المسلمة (التي أصبحت باكستان الشرقية وباتت في عام 1971 دولة بنغلاديش) وأسام ذات الأغلبية الهندوسية.
ووافق جناح، على مقترحات الوفد البريطاني، كما فعل قادة حزب المؤتمر، لكن سرعان ما ثبت خطأ ذلك عندما أعلن نهرو في أول مؤتمر صحفي له لدى إعادة انتخابه رئيسا لحزب المؤتمر أنه لا يمكن لأي جمعية دستورية أن تكون “ملزمة” بأي ترتيبات دستورية مسبقة.
وقرأ جناح ملاحظات نهرو على أنها “رفض كامل” للخطة، والتي كان لابد من قبولها بالكامل من أجل نجاحها، وقد عقد جناح بعد ذلك مؤتمرا للعصبة التي سحبت موافقتها السابقة على خطة الاتحاد الفيدرالي، وبدلا من ذلك دعت لقيام “الأمة الإسلامية” وإطلاق “تحرك مباشر” في منتصف أغسطس من عام 1946 لتحقيق هذا الهدف.
وأدى ذلك إلى اندلاع حرب أهلية دموية في الهند حيث أدت أعمال الشغب والقتل بين الهندوس والمسلمين التي بدأت في كالكاتا، إلى إرسال شرارات قاتلة من الغضب والجنون والخوف إلى كل ركن من أركان شبه القارة الهندية حيث بدا أن ضبط النفس قد اختفى.
وأقر البرلمان البريطاني في يوليو من عام 1947 قانون استقلال الهند، وأمر بترسيم حدود الهند وباكستان بحلول منتصف ليل 14-15 أغسطس من عام 1947.
استقلال باكستان عن الهند

في 15 أغسطس 1947، حصلت الهند على استقلالها عن بريطانيا.
في اليوم السابق، 14 أغسطس 1947، تم إعلان استقلال دولة باكستان التي ضمت مناطق ذات أغلبية مسلمة (غرب باكستان وشرق باكستان – التي أصبحت لاحقًا بنغلاديش في 1971).
تم تعيين اللورد ماونتباتن آخر نائب للملك في الهند، كمشرف على عملية التقسيم.
نتائج التقسيم

نزوح ملايين من الناس بين الدولتين (حوالي 15 مليون)، وهجمات طائفية خلفت مئات الآلاف من القتلى.
بدء توتر طويل بين الهند وباكستان، خاصة بسبب النزاع على إقليم كشمير.
بروز باكستان كأول دولة تأسست على أساس ديني (إسلامي) في العصر الحديث.
وجاء استقلال باكستان كتعبير عن رغبة المسلمين في الحفاظ على هويتهم وحقوقهم، لكنه جاء بثمن إنساني باهظ بسبب أحداث العنف التي رافقت التقسيم. رغم التحديات، استطاعت باكستان أن ترسّخ وجودها كدولة ذات سيادة في الساحة الدولية.
0 تعليق