بنطلحة يبرز فزع الجزائر من التاريخ.. شرعية مفقودة بمعاداة المغرب

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ علم السياسة بجامعة القاضي عياض ومدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء، إن “النظام العسكري الشمولي الفاشي في الجزائر يفزع من التاريخ”، مضيفًا أن “هذا النظام يخشى أن يؤدي التاريخ الحقيقي إلى تشكيل وعي نقدي”، ومشيرًا إلى أن “رداءة حرية البحث الجامعي تتجلى في التضييق على المؤرخين والباحثين”.

ولفت الدكالي، في مقال له بعنوان “الجزائر والتاريخ المفترى عليه”، إلى أن “الجزائر لم تكن موجودة كدولة قبل 1962″، موضحًا أن “فرنسا عملت على بتر أجزاء من المغرب لتوسيع ‘الجزائر الفرنسية’، فيما النظام الجزائري يحاول مأسسة الأساطير عبر التزوير والكذب”.

نص المقال:

في رواية “1984” لجورج أورويل نجد أنها تتناول بشكل خاص خوف الأنظمة السياسية من التاريخ، حين تحاول الحكومة الشمولية السيطرة على التاريخ وتغييره لصالحها من خلال تزييف الحقائق والسيطرة على المعلومات.

النظام في الرواية يخشى أن يؤدي التاريخ الحقيقي إلى تشكيل وعي نقدي لدى المواطنين، ما قد يؤدي إلى ثورة أو تمرد، لذلك يعمل على محو التاريخ الحقيقي واستبداله بتاريخ مزيف يخدم مصالحه. والرواية تظهر كيف يمكن للأنظمة الشمولية أن تستخدم السيطرة على التاريخ كأداة للقمع والتحكم في المجتمع؛ إنها تجسد الخوف من التاريخ بشكل كبير، ما يؤدي إلى فقدان الذاكرة الحقيقية والهوية.

مناسبة هذا الكلام مراسلة لعميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف، أكد فيها أن الإدلاء بتصريحات أو إجراء مقابلات بالنسبة لأساتذة التاريخ غير مسموح به من دون طلب إذن مسبق وصريح من السلطات الجامعية المخولة، وإلا تعرض صاحبه إلى مساءلة قانونية.

مراسلة السيد العميد تؤكد مدى رداءة حرية البحث الجامعي، وأشكال التضييق التي يتعرض لها الأساتذة الباحثون، في ظل نظام عسكري شمولي فاشي يفزع من التاريخ، ولا أدل على ذلك من النهاية المؤلمة لأحد أساتذة التاريخ بالجامعة الجزائرية حين صرح بوجهة نظره لقناة تلفزيونية إماراتية، ما أدى به إلى التوقيف والمحاكمة.

هذه الحادثة تعود بنا إلى عام 2011، في واقعة الدكتورة عائشة غطاس، التي تم اغتيالها وهي المتخصصة في التاريخ العثماني، حين أرادت فتح الأرشيف اليهودي في الجزائر، وتوصلت للكثير من الأمور… اغتيلت عام 2011 وسرق حاسوبها ومذكراتها.

الأمر نفسه حصل مع الأستاذ الجامعي الدكتور بلقاسم فيلالي، صاحب كتاب “تاريخ المغرب الإسلامي في العصر الوسيط بين الفتح وقيام الدولة الموحدية”؛ لقد تم العثور عليه ميتا بمنطقة معزولة في بني حميدان بقسنطينة، وتمت سرقة مخطوطاته وحاسوبه، علما أن هذا المؤرخ بعد وصوله إلى الجزائر وجد منزله سرق أيضا وكذا حاسوبه.

إننا أمام جهاز محترف ترعبه شمس الحقيقة، ويحلو له أن يعيش في الظلام عن طريق خنق كتابة التاريخ، فمن قتل المؤرخ بلقاسم فيلالي…؟.

جريدة الشروق (عدد 11847 تاريخ 2021|01|18) لها الرد الشافي والخبر اليقين: “…وقال مصدر طبي للشروق إن البرد القارس والصقيع الذي عم المنطقة، إذ بلغت درجة الحرارة صباحا أقل من الصفر، ساهم في وفاة الدكتور بلقاسم فيلالي، الذي لم يكن يرتدي الكثير من اللباس الشتوي …!”.

ترى لماذا هذا الخوف والرعب من التاريخ من طرف دولة بلاد الشهداء!؟..

لعله البرد القارس والصقيع الذي وصل إلى أقل من الصفر؟.

لا عليكم، إنها درجة الصفر في الجهر بالحقيقة والهوس المرضي من التاريخ…

إن علم التاريخ يقوم بتسليط الضوء على كل الأحداث التي عرفتها الحضارة الإنسانية، ويقوم بدراستها وتحليلها اعتمادا على أسس علمية محايدة بواسطة مؤرخين يسعون إلى إدراك الماضي وإحيائه.

ونجد أن دراسة التاريخ تساهم في الرفع من مستوى الوعي وتعميقه عند المواطن، لأنه يكون آنذاك في وضعية أفضل لتحديد خياراته المستقبلية والدفاع عن ثوابته وأراضيه.

ونجد أن المتأمل في النزاعات السياسية الدولية الراهنة، مثلا، يجد أن معظمها يتمحور حول «الحقوق التاريخية»، وهنا يكون المؤرخ الأكثر تأهيلا لتوصيف هذه المشاكل القائمة معتمدا على أسس منهجية دقيقة وركائز نقدية في التوثيق والتضمين والتحليل والتعليل والاستنباط والمقارنة، من أجل الوصول إلى نتائج واستنتاجات في إطار تجرد علمي.

إن ما ذكرناه سالفا نجده بشكل كبير في الأبحاث الأكاديمية للمؤرخ الفرنسي برنارد لوغان، التي تناولت جزءًا من التاريخ المغربي بتجرد فكري ومنهج علمي، إذ أماطت اللثام عن الحقبة التي اقتطع فيها الاستعمار الفرنسي جزءًا كبيرا من التراب المغربي؛ ومن هذه الأبحاث كتابه “تاريخ المغرب”.

إن هذا المؤرخ ينطلق من حقيقة تاريخية ثابتة، هي أن الجزائر لم تكن موجودة كدولة قبل 1962 لأنها انتقلت مباشرة من الاستعمار التركي إلى الاستعمار الفرنسي، وقد عملت فرنسا على بتر أجزاء من المغرب لتوسيع «الجزائر الفرنسية»، وذلك منذ 1870، أي بعد أربعين عاما من بدء الاستعمار الفرنسي في الإيالة الجزائرية التي كانت خاضعة للسلطة العثمانية، مشددا على أن تلك المناطق لم تكن أبدا جزائرية، ويؤكد أنه في مارس من سنة 1870 استولى الجنرال الفرنسي دو وينفين، قائد ولاية وهران، على عين الشعير قرب فجيج، وهي مناطق كانت مغربية، لأن نائب السلطان في فجيج كان قائدا مسؤولا عن تمثيل السلطة المركزية في واحات توات، ويضيف أنه في 5 غشت 1890، وبموجب اتفاقية سرية، حددت فرنسا وبريطانيا مناطق نفوذهما في إفريقيا، حيث رأت فرنسا أن بإمكانها احتلال المناطق المغربية في توات والقرارة وإيغلي وواد الساورة بناء على مخطط لربط غرب إفريقيا بالبحر الأبيض المتوسط بواسطة السكك الحديدية العابرة للصحراء. وابتداء من دجنبر 1899 استولت فرنسا على عين صالح ومجموعة من واحات تيديكلت والغورارة، بما في ذلك منطقة تيميمون التي تم احتلالها سنة 1901. وفي يونيو 1904 استولت القوات الفرنسية على رأس العين، وهذا ما تؤكده بالدليل الملموس العديد من الخرائط والاتفاقيات ورسومات الحدود، إذ اعتمد هذا المؤرخ على الأرشيف الفرنسي الذي يحمل اسم “مسألة الحدود”.

وقد انطلق المؤرخ ذاته من حقيقة أن فرنسا هي التي رسمت حدود الجزائر، وهي التي ألحقت مناطق مغربية بالجزائر الفرنسية، وأن النظام الجزائري الذي تنكر للعديد من التعهدات بعد نيل «الاستقلال» يحاول اليوم مأسسة الأساطير عبر التزوير والكذب والتلاعب بالتاريخ، لأن هذا النظام الهش الذي يحاول خطابه الرسمي أن ينتقد الاستعمار ومخلفاته نجده يدافع بكل شراسة عن الحدود التي رسمها المستعمر!.

إن النظام الجزائري يعلم جيدا أنه يزور التاريخ، ولا يستطيع أن يجابه الحقائق التاريخية التي ترعبه، لذا هو يبحث عن شرعية مفقودة، وذلك عبر معاداة المغرب، حيث أصبح ذلك عقيدة ثابتة لديه.

إن المغرب يرعبهم ويشكل لهم عقدة، لكونه أمة عريقة ذات تاريخ طويل. وفي المقابل لا يمكن الحديث تاريخيا عن أمة جزائرية أو شعب جزائري.

المؤرخ برنارد لوغان يعطي درسا في جرأة العالم الذي يصدح بكلمة حق انتصارا للحقائق التاريخية التي تحاول الدولة العميقة في فرنسا التستر عليها، وذلك بعدم رغبتها في إخراج الأرشيف الفرنسي إلى العلن. إنهم يحاولون أن يغتالوا الحقيقة رفقة مستخدميهم بالجزائر، والطابور الخامس يحاول تزييف الحقائق، لكن التاريخ عصي على التزييف لأن ذاكرته لن تمحى أبدا ولو حاول لصوص الليل والدجالون.

إن أهمية التاريخ تتأكد في حياة الشعوب من خلال تبيانه الجذور التي تنتمي إليها، إذ إن الأمة التي تجهل تاريخها هي أمة بلا هوية. وثمة ترابط عميق بين مفاهيم التاريخ والسياسة والهوية، لأنه يعتبر عنصرا أساسيا في التنشئة الوطنية وفي مسألة الصراعات وكذا صناعة المستقبل.

إلا أنه كثيرا ما كتب التاريخ بناء على تحيزات مذهبية أو عرقية أو سياسية، تصل إلى حد الافتعال والاختلاق وتمجيد الذات وتوهم بطولات والعبث بالحقائق، من أجل خلق واقع تاريخي مزور، أي ما أراد المؤرخ أن يكون؛ إذ إن بعض المؤرخين يميلون في العادة إلى تبني آراء الجماعات التي يعيشون في محيطها أكثر مما يميلون الى تصحيح الآراء، كما يؤكد المؤرخ أرنولد توينبي في أول جملة من كتابه “مختصر دراسة التاريخ”.

إن الشعب الفاقد للهوية يسقط تحت تأثير الصدمات والهزات، إنه يحاول خلق وهم مشترك من أجل إضفاء شرعية تاريخية، رغم أن تاريخه يبتدئ فقط من سنة 1830، كما هو الشأن بالنسبة لجيراننا، ورغم أن أكثر المؤرخين يؤكدون بالأدلة القاطعة أنه لم يكن هناك شعب جزائري قبل هذا التاريخ؛ بل إن فرحات عباس، وهو من المؤسسين الأوائل لحركة المطالبة بالاستقلال عن فرنسا، سبق أن كتب في ثلاثينيات القرن الماضي:

” لو كنت اكتشفت الأمة الجزائرية لكنت وطنيا، وما كنت لأخجل كما لو ارتكبت جريمة. الرجال الذين ماتوا من أجل المثل الأعلى الوطني يتم تكريمهم واحترامهم كل يوم؛ حياتي ليست أكثر قيمة من حياتهم. ومع ذلك لن أموت من أجل الوطن الجزائري لأن هذا الوطن غير موجود، لم أجده، سألت التاريخ، واستجوبت الأحياء والأموات، وزرت المقابر، ولم يخبرني أحد بذلك… لا نقوم بالبناء على الريح”… (23 فبراير 1936، صحيفة L’Entente ).

إنه وطوال التاريخ لم يكن هناك بلد اسمه الجزائر يتوفر على هذه الخريطة مترامية الأطراف الموجودة حاليا، بل الثابت هو مرسوم 22 يوليوز 1834، المعروف بمرسوم الضم (Ordonnance d’annexion ) المتعلق بالقيادة العامة والإدارة العليا للممتلكات الفرنسية في شمال إفريقيا.

وهناك وثيقة من الأرشيف الفرنسي، وهي عبارة عن مراسلة بين وزارة الحرب الفرنسية ومديرية الشؤون الإفريقية إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر بتاريخ 14 أكتوبر 1839، تفيد بأن الجنرال شنايدر الذي أرسل الرسالة يقترح لأول مرة تسمية تلك المنطقة من شمال إفريقيا بالجزائر، وأن يجري هذا القرار على جميع الوثائق والمراسلات في ما بعد.

كما أن الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس الفرنسي “دوكول” حول تقرير مصير الجزائر يؤكد هذا المعطى، حين أكد على ما يلي: “سأطرح السؤال على الجزائريين بصفتهم أفرادا، لأنه منذ أن وجد العالم لم تكن وحدة أو سيادة جزائرية، لقد تناوب القرطاجيون والرومان والوندال والبيزنطيون وعرب الشام وعرب الأندلس والأتراك والفرنسيون على احتلال البلاد، من دون أن يكون أبدا وبأي شكل من الأشكال وجود دولة جزائرية”. وهذا الطرح التاريخي أكده مؤخرا الرئيس الفرنسي “ماكرون”، حينما شكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، مشددا على ضرورة التطرق لهذه المسألة من أجل تحقيق المصالحة بين الشعوب، ومبينا أن التاريخ الرسمي الجزائري أعيدت كتابته بالكامل، ولا يقوم على الحقائق…

إن ذاكرة الأشقاء تبدو متعبة، والحقائق التاريخية تزعجهم، لأننا ننتظر فتح الأرشيف الفرنسي، حتى يطلع العالم على الخرائط الحقيقية. وننتظر من فرنسا جرأة حقيقية إنصافا للتاريخ المفترى عليه؛ وعلى الذين يكرسون تاريخا مزورا في حفل تنكري أن يعلموا جيدا أن الأمم التي تجهل تاريخها محكوم عليها بأن تعيده…

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق