شهدت محافظة الإسكندرية، في ليلة الجمعة - السبت، عاصفة جوية عنيفة، تسببت في إثارة حالة من الذعر بين المواطنين، وسط تزايد التحذيرات بشأن تأثيرات التغير المناخي على المدن الساحلية.
ومع تكرار مثل هذه الظواهر الجوية الحادة، تتزايد المخاوف من أن تكون هذه العواصف مقدمة لكوارث بيئية أكبر قد تضرب المدينة في المستقبل القريب.
رفع حالة الطوارئ تحسبًا لأي تطورات
ردًا على هذه الأحداث، أعلنت وزارة الصحة عن رفع حالة الاستعداد القصوى داخل منشآتها في الإسكندرية، تحسبًا لأي تفاقم في الأوضاع نتيجة التقلبات الجوية المفاجئة، وتأتي هذه الخطوة ضمن خطة الدولة لمواجهة الكوارث الطبيعية المتزايدة بسبب التغير المناخي.
دراسة أمريكية تحذر.. الإسكندرية في خطر حقيقي
وفي السياق نفسه، كشفت دراسة علمية حديثة نُشرت بمجلة Earth Future، بدعم من وكالة "ناسا" وجامعة كاليفورنيا، أن الإسكندرية باتت واحدة من أكثر المدن الساحلية عرضة لتداعيات التغير المناخي في العالم.
تشير الدراسة إلى أن المدينة شهدت أكثر من 280 حالة انهيار لمبانٍ على الشريط الساحلي خلال العقدين الماضيين، نتيجة تآكل التربة وتسرب المياه المالحة، مما يهدد سلامة آلاف العقارات والبنية التحتية.
أكثر من 7000 مبنى في دائرة الخطر
ووفقًا للدراسة، فإن أكثر من 7 آلاف مبنى بالإسكندرية مهدد بالانهيار، مع تزايد معدل الهبوط الأرضي، في وقت ارتفع فيه عدد الانهيارات السنوية من حالة واحدة إلى ما يقارب 40 حالة سنويًا.
توضح المهندسة سارة فؤاد، الباحثة الرئيسية في الدراسة، أن الإسكندرية التي نجت من الزلازل والعواصف وأمواج التسونامي عبر القرون، تواجه الآن خطرًا وجوديًا بسبب التغير المناخي، ووصفت الوضع بقولها:
"ما بناه الإنسان في آلاف السنين، قد تبتلعه مياه البحر خلال عقود قليلة."
ارتفاع سطح البحر وتسارع تآكل السواحل
بحسب بيانات الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، فإن مستوى سطح البحر ارتفع بين 20 إلى 23 سم منذ عام 1880، نصفها تقريبًا منذ عام 1993، ما يضاعف الضغط على المدن الساحلية مثل الإسكندرية.
الدراسة أكدت أن الشريط الساحلي للمدينة تراجع بعشرات الأمتار في العقود الماضية، وبمعدل يصل إلى 3.6 متر سنويًا في بعض المناطق، مما يزيد من مخاطر الفيضانات، ويُسرّع من تآكل البنية التحتية القديمة.
المياه الجوفية والملوحة تهدد أساسات المباني
أحد أخطر ما أوردته الدراسة هو ارتفاع منسوب المياه الجوفية واختلاطها بالمياه المالحة، وهو ما يؤدي إلى إضعاف أساسات المباني حتى قبل وصول مياه البحر فعليًا إليها، ما يزيد من فرص انهيارها دون سابق إنذار.
الإسكندرية، المدينة التي أسسها الإسكندر الأكبر عام 331 قبل الميلاد، والتي كانت مركزًا حضاريًا عالميًا وموقعًا لواحدة من عجائب الدنيا السبع، باتت اليوم في مهب أزمة بيئية عالمية.
ورغم مكانتها العريقة، إلا أن موقعها الجغرافي الساحلي، والذي كان مصدرًا لقوتها التجارية، أصبح نقطة ضعف شديدة أمام زحف مياه البحر وارتفاع درجات الحرارة.
في ظل هذه التحديات المتعاظمة، يطالب الخبراء والمهندسون والمخططون بتدخلات فورية، تشمل تطوير البنية التحتية، وتدعيم الأساسات، وبناء حواجز بحرية متطورة، فضلًا عن التنسيق الدولي لمواجهة الخطر المحدق بـ"عروس المتوسط".
ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة وسريعة، فقد تكون الإسكندرية واحدة من أولى ضحايا تغير المناخ في منطقة البحر المتوسط.
0 تعليق