في لحظة سينمائية تختلط فيها مشاعر الحنين بالتكريم، يُطلّ الفيلم المغربي الجديد “جاك بوت” ليُخلد آخر ظهور فني للممثلة الراحلة نعيمة بوحمالة، التي رحلت عن عالم الفن في صمت، تاركة خلفها إرثا وجدانيا لا يمحى من الذاكرة الفنية المغربية. يمثّل هذا العمل فرصة فريدة للجمهور المغربي للوقوف على بصمتها الأخيرة في الشاشة الكبيرة، من خلال دور يحمل في طياته عبق تجربة فنية عميقة وصدقا أدائيا قلّ نظيره. وتأتي هذه المشاركة لتُضفي على الفيلم بعدا إنسانيا استثنائيا، يجعل من العرض السينمائي لحظة وفاء واعتراف، لا مجرد مناسبة للترفيه أو المتابعة العابرة.

يُعدّ فيلم “جاك بوت”، الذي يبدأ عرضه الرسمي في القاعات السينمائية المغربية ابتداء من 11 من يونيو الجاري، عملا دراميا كوميديا يحاول سبر أغوار التحولات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المجتمع المغربي المعاصر، من خلال قصة شابة تنتمي إلى حي شعبي، تطمح إلى تحقيق ذاتها عبر ولوج عالم التأثير الرقمي، وما يرافقه من ضغوط، تجاذبات وانزلاقات.

الفيلم من توقيع المخرج رشيد محب، الذي يواصل في هذا العمل مساره المهني الحريص على معالجة القضايا الاجتماعية بأسلوب فني متوازن، يجمع بين الترفيه والرسالة، كما يعتمد لغة سينمائية تستلهم من واقع اليومي دون الوقوع في التقريرية أو الخطابية. وتُمثل هذه التجربة خطوة أخرى في مسار السينما المغربية، التي باتت تُراهن أكثر فأكثر على مواضيع الراهن وأدوات العصر.

وفي سياق هذا الحضور السينمائي المتميز، لا تقتصر أهمية “جاك بوت” على سرد حكاية اجتماعية مشوقة فحسب، بل تتعزز أيضا بمشاركة ثلة من الفنانين الذين يشكلون رافعة فنية للفيلم. فإلى جانب الراحلة نعيمة بوحمالة، يشارك في الفيلم كل من نجاة الوافي، وصال بيريز، طارق البخاري، ورفيق بوبكر، كما يحضر عبد القادر الخراز، الضابط المتقاعد المعروف، في ثاني تجربة تمثيلية له.

هذا التنوع في الأسماء يعكس رغبة فريق العمل بتقديم توليفة تمثيلية تجمع بين الخبرة والحداثة، بين الأداء الدرامي الصارم والحضور الكاريزمي.

ويُنتظر أن يشكل الفيلم محطة قوية في الموسم السينمائي المغربي، خصوصا أنه يجمع بين موضوع له صدى مجتمعي واسع ومشاركة أخيرة لفنانة لا تزال محفورة في وجدان الجمهور المغربي، ما يجعله مرشحا لأن يُستقبل بكثير من الاهتمام والاحتفاء.