في عالم يسعى إلى التكامل الثقافي والحوار بين الحضارات، يبرز معرض أبوظبي الدولي للكتاب كمنصة حيوية تتيح للأدب أن يلعب دورًا رئيسيًا في ربط الشرق بالغرب. هذا المعرض، الذي يقام سنويًا في الإمارات العربية المتحدة، لم يعد مجرد حدث تجاري للكتب، بل تحول إلى جسر يعبر به الأدباء والقراء من مختلف القارات، متجاوزًا الحواجز الجغرافية والثقافية. في هذا السياق، سنستعرض كيف يمثل المعرض مصبًا للأعمال الأدبية العالمية، مما يعزز من التواصل والتفاهم بين الشرق والغرب.
تاريخ المعرض وأهدافه
أبوظبي للكتاب، الذي أطلقه مجلس أبوظبي الثقافي منذ عام 2009، هو أحد أكبر المعارض الثقافية في الشرق الأوسط. يجمع بين آلاف الناشرين والكتاب من أكثر من 60 دولة، ويضم أكثر من 200 ألف عنوان كتابي. الهدف الرئيسي هو تعزيز ثقافة القراءة ورعاية الإبداع الأدبي، لكنه يتجاوز ذلك ليصبح ساحة للحوار الثقافي. في زمن يشهد توترات بين الشرق والغرب، يقدم المعرض نموذجًا للتعاون، حيث يعرض الأدب الغربي الكلاسيكي، مثل أعمال شكسبير وهيرمان هيسه، إلى جانب التراث الأدبي العربي والإسلامي، مثل روايات نجيب محفوظ أو الشعر الفارسي للرُمَاني.
الأعمال الأدبية العالمية كأداة للتواصل
يبرز المعرض تنوع الأدب العالمي من خلال جناحيه الرئيسيين: الأول مخصص للأدب الغربي، والذي يشمل روايات واقعية وخيالية تُترجم إلى العربية، مثل "1984" لجورج أورويل أو "ذا غريت غاتسبي" لفرانسيس سكوت فيتزجيرالد، والتي تجسد قضايا الحرية والتغيير الاجتماعي. أما الجناح الثاني، فيركز على الأدب الشرقي، حيث تُعرض كتبًا مثل "ألف ليلة وليلة" أو روايات غسان كنفاني، التي تعكس الصراعات الإنسانية في المنطقة العربية. هذا التنويع ليس عشوائيًا؛ بل يهدف إلى إبراز القواسم المشتركة بين الثقافتين.
في السنوات الأخيرة، شهد المعرض زيادة في الترجمات الثنائية، حيث تم ترجمة أكثر من 100 كتاب سنويًا بين العربية والإنجليزية. على سبيل المثال، رواية "الحياة الجديدة" للكاتبة الأميركية زادي سميث، التي تتناول قضايا الهجرة، تم عرضها بجانب "البحث عن الذات" للكاتب المصري يوسف إدريس. هذه الجمعية تخلق حوارًا ثقافيًا يساعد القراء في فهم تجارب الآخر، سواء كانت النزاعات الاجتماعية في الغرب أو التحديات الثقافية في الشرق.
الفعاليات الثقافية كروابط بين العوالم
لا يقتصر دور المعرض على عرض الكتب، بل يمتد إلى تنظيم فعاليات تعزز التبادل الثقافي. جلسات النقاش والمحادثات مع الكتاب تجمع بين أصوات متنوعة، مثل لقاء الكاتب البريطاني سالمان روشدي مع الكاتبة الإماراتية نادية النجار، حيث يناقشان كيف يؤثر الهجرة على الهوية. كما تضم الفعاليات ورش عمل لترجمة الأدب، مما يدعم التواصل بين اللغات والثقافات. في إحدى الدورات، تم تنظيم معرض فرعي للأدب الأفريقي، الذي يربط بين الشرق والغرب عبر قصص الهجرة والاستعمار.
أهمية الجسر الثقافي في عصر التحديات
في وقت يهيمن فيه التوتر السياسي والثقافي، يعتبر أبوظبي للكتاب نموذجًا للسلام الثقافي. يساهم المعرض في بناء جيل جديد من القراء الواعين، الذين يدركون أن الأدب ليس مجرد كلمات، بل جسور تتصل بالعالم. وفقًا لتقارير منظمة اليونسكو، فإن مثل هذه الفعاليات تعزز التنوع الثقافي وتقلل من التحيزات، مما يعكس رؤية الإمارات لدورها كمركز ثقافي عالمي.
في الختام، يظل معرض أبوظبي للكتاب شاهداً حياً على قوة الأدب في تحقيق التواصل بين الشرق والغرب. من خلال استضافة الأعمال الأدبية العالمية، يرسم صورة مستقبلية لعالم أكثر اندماجًا، حيث يصبح الكتاب رسالة سلام تتجاوز الحدود. إنها دعوة لجميعنا للانخراط في هذا الحوار، لنكتشف أنفسنا من خلال قصص الآخرين.
0 تعليق