الطُّفولة.. واجباتٌ منسيَّةٌ

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

إنَّ نعم الله عزَّ وجلَّ على عباده لا تُعدُّ ولا تُحصى، قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18]،  وقد نفطن لبعض هذه النِّعم، وكثيرٌ منها يخفى علينا لشدَّة قربه، وقديمًا قالوا: «شدَّة القرب حجابٌ» بمعنى أنَّ الشَّيء يكون قريبًا من الإنسان جدًّا فلا يكاد يراه، وقد تخفى علينا بعض النِّعم لأنَّنا أَلِفنا وجودها، وقديمًا قالوا كذلك: «إِلف النِّعم من النِّقم» قال الله جلَّ جلاله: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].

ومن أفضل نعم الله على خلقه نعمة الأولاد، الَّتي جعلها الله عزَّ وجلَّ زينةً للحياة الدُّنيا فقال سبحانه: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46].

وما أحلى الحياة بهؤلاء الأولاد الَّذين يملأون الدُّنيا بهجةً وسعادةً بصخبهم وضجيجهم ولغوهم وصياحهم وقفزهم، وتأمَّلوا حين يرجع الوالد من عمله متعبًا، فلا يذكر تعبه أمام أولاده وهم يتقافزون من حوله، وانظروا كيف يسعى الوالدان في تلبية ما يطلب أطفالهم بكلِّ ما يستطيعون، وكيف يفرحون لفرحهم، ويحزنون لحزنهم، ويمرضون لمرضهم، ويسعدون لسعادتهم.

نسأل الله أن يرزق كلَّ محرومٍ، وأن يجبر كلَّ مكسورٍ، وأن ينصر كلَّ مهزومٍ.

ولكنَّ واقعنا بما فيه من أحداثٍ ما يزال يعلن مرَّةً بعد مرَّةٍ أنَّنا لم نقدِّر الطُّفولة ولا البراءة حقَّ قدرها، ولم نفهم الواجب علينا تجاهها، فبعض المربِّين ترك مسؤوليَّته، وقتل في الطِّفل براءته، وحرمه ضحكه وابتسامته.

ودون خوضٍ في تفاصيل تقصيرنا، دعونا نتأمَّل ما يجري في الواقع تجاه الأطفال والواجب الَّذي أمرت به الشَّريعة نحوهم؛ فكثيرٌ من الواجبات المفروضة منسيَّةٌ في ظلِّ طغيان المادَّة.

وأوَّل الواجبات المنسيَّة وأولاها بالحديث عنها ما ينساه الوالدان: الآباء والأمَّهات في ظلِّ انشغالهم بضغوط الحياة.
ولو أجرينا مقارنةً سريعةً بين أحكام الإسلام الَّتي تُعنى بالأطفال وتربيتهم وبين ما يجري في دنيا النَّاس، لرأينا أنَّ الإسلام لا ينتظر ميلاد الطِّفل حتَّى يأمر بتربيته، بل إنَّ نظرة الإسلام أعمق وأسبق؛ فالواجبات على الآباء والأمهات تجاه أبنائهم تبدأ قبل الزَّواج.

فالإسلام يوجِّه الرَّجل إلى أن يختار امرأةً صالحةً تعينه على أمر دينه، ولم يغفل الإسلام عن معايير النَّاس، ولكنَّه وجَّه هذه المعايير، يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدِّين، تربت يداك»، ويوجِّه المرأة ووليَّها لاختيار رجلٍ صالحٍ تستكمل المرأة حياتها معه، يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم مَن ترضون دينه فزوِّجوه إلَّا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ».

ثمَّ يصحب الإسلام الوالدين في رحلة تربيةٍ وتوجيهٍ طويلةٍ عميقةٍ مستمرَّةٍ لا تتوقَّف حتَّى يكبر، ولا ينقطع عن الأولاد نصح الوالدين ما داموا أحياء، ففي القرآن الكريم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وفي السُّنَّة «كفى بالمر إثمًا أن يضيِّع من يقوت»، يعني لو لم يكن للإنسان إلَّا هذا الذَّنب لكفاه.

وفي مقابل هذه الأوامر الرَّبَّانيَّة ترى واقعًا مؤسفًا.

من هذا الواقع المؤسف ما يفعله بعض الآباء والأمَّهات في تربية أبنائهم على نحوٍ مغلوطٍ؛ فهم بعض الآباء أنَّ واجبهم تجاه أبنائهم أن يوفِّروا لهم ما يحتاجون من الطَّعام والشَّراب والثِّياب وأنواع اللَّهو، ونسوا التَّأديب والتَّوجيه، وفَّروا المادَّة وأشبعوا حاجات الجسد، ونسوا الرُّوح ومطالبها.

وتكاد القصَّة المشهورة عن عمرَ بنِ الخطَّابِ – رضي اللهُ عنه – حينمَا جاءَهُ رجلٌ يشكُو إليهِ عقوقَ ابنِه، فأحضرَ عمرُ الوالدَ وابنَهُ وأنَّبَهُ على عقوقِهِ لأبيهِ، ونسيانِهِ لحقوقِهِ، فقالَ الولدُ: يا أميرَ المؤمنينَ أليسَ للولدِ حقوقٌ على أبيهِ؟ قالَ: بلَى، قالَ: فمَا هِيَ يا أميرَ المؤمنين؟ قال عمرُ: أنْ ينتقِيَ أُمَّهُ، ويحسنَ اسمَهُ، ويعلِّمَهُ الكتابَ (أي القرآن)، قالَ الولدُ: يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ أبِي لم يفعلْ شيئًا مِن ذلكَ، أمَّا أُمِّي فإنَّها زنجيَّةٌ كانتْ لمجوسِيٍّ، وقد سمَّانِي جُعلًا (أي خنفساء)، ولم يعلِّمنِي مِن الكتابِ حرفًا واحدًا! فالتفتَ عمرُ إلى الرَّجلِ وقالَ لهُ: جئتَ إليَّ تشكُو عقوقَ ابِنِكَ، وقد عققتَهُ قبلَ أنْ يعقَّكَ، وأسأتَ إليهِ قبلَ أنْ يسيءَ إليكَ.

تكاد هذه القصَّة تختصر كثيرًا من الواجبات المنسيَّة، أو الواجبات الَّتي فُهمت على نحوٍ مغلوطٍ؛ فقد ترك بعض الآباء والأمَّهات أولادهم للشَّاشات الصَّغيرة والكبيرة، إمَّا شاشات الهواتف، وإمَّا شاشات القنوات دون مراجعةٍ ولا مراقبةٍ ولا محاسبةٍ.

المهمُّ عند بعض الآباء والأمَّهات أنَّهم استراحوا من ضجيج أولادهم وصياحهم وكلامهم، ولا ينتبه هؤلاء الآباء والأمهات إلى أنَّنا أسلمنا أطفالنا لهذه الشَّاشات تفعل فيهم ما تشاء، وفيها عريٌ، وشذوذٌ، وأفكارٌ منحرفةٌ، وسلوكيَّاتٌ شائهةٌ.

هل نذكر الألعاب الإلكترونيَّة الَّتي وصلت بالأطفال إلى الانتحار أو القتل؟
هل نذكر الوقائع الكثيرة الَّتي اتُّخذت فيها كاميرات الهواتف وسيلةً للابتزاز والفضائح؟
وهل نذكر النُّفوس البريئة الَّتي تجرَّأت على الحرمات والمحرَّمات بما تشاهده على الشَّاشات؟
لماذا ندفن رؤوسنا في الرِّمال؟ 

هذا هو الواقع!

ألم نفاجأ مرَّةً بألفاظٍ يذكرها طفلٌ بريءٌ فتسأل: من أين سمع هذا اللَّفظ المستكره؟
ألم نفاجأ مرَّةً بطفلٍ وهو يسأل سؤالًا مخجلًا فتقول: من أين اطَّلع على هذا؟
اسألوا أولادكم، ماذا يشاهدون؟

إنَّنا أسلمنا أولادنا لصفحاتٍ مجهولةٍ وقنواتٍ مأجورةٍ، ثمَّ نشكو ونقول: الأولاد انحرفت أفكارهم!
وتعالوا إلى مشهدٍ آخر في حياة بعض الأسر، لا أقول الَّتي تنسى واجباتها بل الَّتي تقتل أولادها!
حين نحوِّل الأولاد لوسيلة ضغطٍ في الخلافات الأسريَّة، دون اعتبارٍ لمشاعرهم، فيُحرم الأولاد من رؤية آبائهم وأمَّهاتهم.

من قال إنَّ الأمَّهات تُحرم من أولادها؟ 
ومن قال إنَّ الآباء يُحرمون من أولادهم؟

الإسلام دينٌ جميلٌ، يأمر بالخير في كلِّ الأحوال، قال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] هذا هو الواجب بين الزَّوجين، صحبةٌ بمعروفٍ، فإن تعذَّرت العشرة بالمعروف كان تسريحٌ بإحسانٍ وفراقٌ على خيرٍ.
لكن الحيل والألاعيب، والانتقام والتَّعذيب، الَّذي يكون بين الأزواج والزَّوجات، فالرَّجل يعذِّب طليقته بالأولاد، والمرأة تعذِّب طليقها بالأولاد، وصار الأولاد بين الوالدين ضحيَّةً، وصارت مجالس الرُّؤية الَّتي لا تتجاوز دقائق مجالس كراهيةٍ وانتقامٍ وقتلٍ للأطفال.

هل هذا من آداب الإسلام؟ متى ننضج؟
متى نَغلب الكراهية والبغض؟
متى نفهم أنَّ الأولاد ضحيةٌ لنفسيَّاتٍ مريضةٍ بهذه الصُّورة؟

إنَّ الخلافات الزَّوجيَّة؛ وما يكون فيها من إساءةٍ لفظيَّةٍ، أو إهانة معنويةٍ، أو اعتداءٍ جسديٍّ من الزَّوج على زوجته، أو من الزَّوجة على زوجها، ينبغي أن يُطوى فلا يُروى.

أوليس قد حدَّد الشَّرع أوقاتًا لا يدخل فيها الأولاد على والديهم؛ حتَّى لا تقع أعيُنهم على ما لا يُدرِكون من المُباح؛ أفليس من باب أَوْلَى أن نحفظ أولادنا من رؤية العلاقة السَّلبيَّة بين والديهم؟!

إنَّ الخلاف له آدابٌ، والخصومة لها ضوابط، وإلَّا فالضَّحيَّة هم الأولاد، خلافاتكم أيُّها الأزواج حبلٌ ممدودٌ طرفاه بأيديكم، وفي وسطه عقدةٌ مُلتفَّةٌ على عنق الطِّفل، فكلَّما اشتدَّ أحدُ الأبَوَيْن في الجذب استحكَمَت العُقدة على عنق الطِّفل.
ثمَّ النَّفقة الَّتي يتفنَّن كلُّ طرفٍ فيها، فالزَّوج يتفنَّن لتقليلها، والزَّوجة تتفنَّن لزيادتها، وكلاهما كاذبٌ.

كم من أبٍ يتحايلُ في تقليل نفقة أولاده، أو الهروب منها، لا لشيءٍ إلَّا ليغيظ أمَّهم؛ فكيف يرجو برَّ أولاده بعد ذلك، ويتأمَّل دعاءهم وصدقتهم عنه حين يكبرون؟!

ثمَّ الرُّؤية، وكم طفلٍ غُيِّب عن أمِّه ولا ذنب له إلَّا خلافٌ لم يكن طرفًا فيه، ولكنه عُوقِب به، والنَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: «من فرَّق بين والدةٍ وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبَّته يوم القيامة».

فبأيِّ ذنبٍ يُحرَم الطِّفل حنان أمِّه أو لقاء أبيه وهو بضعةٌ منهما، ولا غِنى له بأحدهما عن الآخر، فيجب أن يُمكَّن الطِّفل من رؤية والدَيْه، ومن الاتِّصال بهما متى أراد دون مُحاسبةٍ أو مُضايقة، ولا يجوز بحالٍ أن يكون الانفصالُ بين الوالدين داعيًا لأن يُربَّى الطِّفل على عقوق أحدهما أو عدم الإحسان إلى الآخر.

يا من وقع الطَّلاق بينهم من الآباء والأمَّهات: لا تنسوا الفضل بينكم، واتَّقوا الله في أولادكم.
إنَّ التَّربية ليست مالًا فحسب، وإنَّما هي بناء إنسانٍ، وكم من آباء فقراء أنجبوا أبناء عظماء.
ومن الواجبات المنسيَّة ما لا تقوم به المؤسَّسات الَّتي أٌنيط بها بناء الإنسان، ومنها المدرسة. 
والأمُّ على عظم حقِّها وقدرها ومكانتها، لما أراد أهل الأدب أن يصوِّروا منزلتها شبَّهوها بالمدرسة، فقال حافظ إبراهيم: 

الأمُّ مدرسةٌ، إذا أعددتها *** أعددت شعبًا طيِّب الأعراق.
فماذا تقدِّم المدارس والمؤسَّسات التَّربويَّة لأطفالنا؟
لقد عُنيت المدارس في أحسن حالاتها بحشو الأدمغة بالمعلومات، وصار التَّنافس بين الأولاد تنافسًا عدديًّا، وصارت الدَّرجات والمجموع هو الغاية الَّتي يسعى لها الأولاد وذووهم والمدارس أنفسها.

وصار تعليم اللُّغات الأجنبيَّة أولى من لغة هويَّتنا. 
وقُدَّمت نماذج وقدواتٌ بعيدةٌ عن تاريخنا وقيمنا.

فهل نطمع في مؤسَّساتنا أن تتبنَّى من البرامج والصِّيغ التَّربويَّة ما يبني الفكر النَّاقد، والبصيرة الواعية، والأخلاقيَّات العاصمة؟
وهل نطمع في مؤسَّساتنا أن تتيح لأطفالنا ما يكتشفون به مواهبهم؟ وما يدركون به قدراتهم؟
وهل نطمع في المعلِّم أن يربِّي أطفالنا قبل تعليمهم؟
وهل نطمع في أن يراجع المعلِّم أخلاقيَّات طلَّابه قبل معلوماتهم؟

ومن الواجبات المنسيَّة ما فات الإعلام أن يقوم به، والأولى بالإعلام وصناع الدِّراما من كتَّابٍ ومخرجين أن يراجعوا ما يقدِّمونه.
فهل الصَّواب في عرض السَّلبيَّات دون الإيجابيَّات؟
وهل الصَّواب في عرض العري والشُّذوذ وزنا المحارم والبلطجة، دون عرض النَّماذج المستقيمة؟
هل حكمت أعمالنا المادَّة والرِّبح دون القيم؟

أنا أطالب بمراجعة ألفاظ أولادنا وسلوكهم في الشَّوارع والبيوت، لندرك مدى تأثُّرهم بالشَّخصيَّات الَّتي نقدِّمها لهم على أنَّهم نجومٌ.
تأمَّلوا يا صنَّاع الدِّراما كلَّ لفظٍ خارجٍ عن الأخلاق، وكلَّ سلوكٍ خارجٍ عن الأخلاق، وخافوا أن تحاسبوا عليه.
ما هذه النَّماذج الَّتي تقدَّم لأولادنا؟
وماذا تنتظرون منهم؟
ومن الواجبات المنسيَّة عند المجتمع أنَّه يظلُّ ينظر إلى الأطفال على أنَّهم صغارٌ، لا قيمة لهم، ولا أثر لهم، ولا قدر لهم.

لذلك ترى الأطفال يُقصَون، ويمنعون من الكلام، ويحجر على آرائهم، وتُسفَّه أفكارهم.

ولكنَّ الإسلام وجَّه مجتمع الكبار إلى احترام الأطفال الصِّغار، ليكونوا كبارًا، فإنَّ أطفال اليوم هم كبار الغد.
 وتأمَّلوا هذا المشهد الرَّاقي، يجلس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في جمعٍ من أصحابه، فأُتيَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشَرَابٍ، فَشَرِبَ وعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ، فَقالَ لِلْغُلَامِ: إنْ أذِنْتَ لي أعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ، فَقالَ: ما كُنْتُ لِأُوثِرَ بنَصِيبِي مِنْكَ يا رَسولَ اللَّهِ أحَدًا، فَتَلَّهُ في يَدِهِ.

وكان عمر بن الخطَّاب يُدخل عبد الله بن عبَّاس - رضي الله عنهما - مع أشياخ بدرٍ، فكأنَّ بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟! فقال عمر: إنَّه مَن حيث علمتم! فدعاني ذات يومٍ فأدخلني معهم، فما رأيت أنَّه دعاني يومئذٍ إلَّا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: 1]؟ فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عبَّاس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أعلمه له، قال: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: 1]، وذلك علامة أجلك: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 3] فقال عمر - رضي الله عنه - ما أعلم منها إلَّا ما تقول. 

وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يجادله غلامٌ له عشر سنواتٍ، ذكر بعض الرُّواة أنَّه لما استخلف عمر بن عبد العزيز قدم عليه وفود أهل كلِّ بلدٍ، فتقدَّم إليه وفد أهل الحجاز فاشرأبَّ منهم غلامٌ للكلام، فقال عمر: يا غلام، ليتكلَّم من هو أسنُّ منك.

غير أنَّ الغلام ردَّ قائلًا: يا أمير المؤمنين، إنَّما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبده لسانًا لافظًا وقلبًا حافظًا فقد أجاد له الاختيار، ولو أنَّ الأمور بالسِّنِّ لكان ها هنا من هو أحقُّ بمجلسك منك.

إنَّنا نحتاج إلى مراجعة موقفنا من الطُّفولة، وممارساتنا مع الأطفال، وإنَّ المجتمع ينبغي أن يتكاتف لتربية أطفالنا.
وأنَّ الدُّول تبدأ استثمارها في الإنسان من الطُّفولة فهو أولى الأولويات.
اللهمَّ احفظ أطفالنا وشبابنا وبناتنا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق