انتقدت مكونات المعارضة بمجلس النواب سياسات الحكومة في مجال الإعلام وضمان حرية التعبير في الصحافة الوطنية، متفقة حول “ضرورة إيجاد مخرج للمجلس الوطني للصحافة وإعادة البريق المبدئي إلى فكرة التنظيم الذاتي للمهنة”، مع “الكف عن متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي كما يفعل بعض وزراء الحكومة مع نشطاء سياسيين وصحافيين وحقوقيين ومدونين”، وفق تعبير الجهات عينها.
جاء هذا خلال اجتماع للجنة التعليم والثقافة والاتصال بالغرفة البرلمانية الأولى، اليوم الأربعاء، في إطار تدخلات فرق ومجموعة المعارضة تفاعلاً مع عرضين قدمهما وزير الثقافة والشباب والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، حول “حرية التعبير والإعلام في تعزيز حقوق الإنسان ببلادنا ثقافة وممارسة”، و”وسائل التواصل الاجتماعي وسبل الضبط والتقنين في أفق الحد من التداعيات السلبية لعدد من التطبيقات الرقمية”.
وضعية ملتبسة
عمر أعنان، نائب عن الفريق الاشتراكي–المعارضة الاتحادية، سجّل أنه “منذ اعتماد دستور 2011، تعززت مكانة حرية التعبير كحق دستوري لا رجعة فيه، وكشرط أساسي لأي ممارسة سياسية أو مجتمعية جدية”، مضيفا أنه “بعد مرور زهاء عقد ونصف العقد من الزمن، نجد أنفسنا أمام مفارقات عميقة: من جهة، يشيد المجتمع الدولي بتحسن نسبي في ترتيب المغرب في مؤشرات حرية الإنسان. ومن جهة أخرى، مازالت الممارسات اليومية تعكس اختلالات بنيوية في تدبير هذا الحق الأساسي”.
وأشار أعنان إلى لتقرير “الحرية الإنسانية” لسنة 2024، الصادر عن معهد كاتو الأمريكي، الذي بين ارتقاء المغرب بخمس مراتب ليحتل الرتبة 130 من أصل 165 دولة”، وقال: “هذا المعطى، وإن كان يحمل دلالة إيجابية، إلا أنه يجب ألا يغطي على مظاهر التراجع التي نعيشها في الواقع”، مبرزا أن المتابعات القضائية ذات الطابع الجنائي ضد الصحافيين والنشطاء الاجتماعيين والحقوقيين مازالت تتزايد، وهو ما يناقض جوهر دولة الحق والقانون التي ترتكز على مبدأ التدرج في العقوبات، وعلى تفضيل الآليات التأديبية أو المدنية عوض المقاربة الزجرية”.
وتحدث النائب ذاته عن “معاناة الحقل الإعلامي من هشاشة بنيوية مزمنة”، موضحا أن “إحصائيات النقابة الوطنية للصحافة المغربية تشير إلى أن حوالي 62 بالمائة من الصحافيين لا يتوفرون على عقود عمل دائمة، ويشتغلون في ظل شروط مهنية واقتصادية هشة، ما يفقدهم القدرة على الاستقلال والاحتراف، ويضعف جودة المنتوج الصحافي”، وزاد: “العديد من وسائل الإعلام المستقلة تكافح من أجل البقاء في غياب آليات تمويل شفافة وعادلة”.
ولفت الفاعل السياسي عينه إلى “استمرار وضعية الإعلام العمومي في حال من الغموض والهيمنة”، مسجلا “تعيين مسؤوليه في غياب معايير واضحة للكفاءة والتعددية، ويُستعمل أحيانا كأداة للدعاية السياسية، بدل أن يكون منبرا للنقاش العمومي والتثقيف الديمقراطي”، داعيا إلى “وضع قانون خاص بالإعلام العمومي يقطع مع التعيينات الحزبية، ويضمن استقلالية التحرير والتدبير المالي، ويكرّس التعددية في المحتوى”.
وطالب المتحدث باسم الفريق النيابي المعارض بـ”إعادة فتح ورش مراجعة مدونة الصحافة والنشر، من أجل ملاءمتها مع مقتضيات الدستور ومع المعايير الدولية التي صادق عليها المغرب”، و”إحداث صندوق دعم خاص للصحافة الجادة والاستقصائية، يحمي الصحافيين من الضغوط الاقتصادية ويضمن تنوعا في زوايا المعالجة والقضايا المطروحة (…) فالوضع في بلادنا فيما يخص المتطلبات المذكورة لا يزال في مراحل مختلفة من النقاش والمطالبة، دون تحقيق تقدم ملموس على الأرض في بعض الجوانب”.
نحو تقييم موضوعي
نادية التهامي، نائبة عن فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سجلت “غياب أية اعتقالات لها علاقة بحرية الصحافة في الفترة الأخيرة”، متمنية أن “تتوقف تهديدات بعض المسؤولين العموميين بمتابعة الإعلاميين والصحافيين بمناسبة التعبير عن بعض المواقف التي لها علاقة بالتدبير العمومي وبتحمُّل المسؤولية العمومية”، مستحضرة “مؤشرات تمس بمصداقية وحرية ممارسة الصحافة والتعبير عن الرأي بحرية وبنزاهة وشفافية”.
وشددت التهامي على أن “المستوى الديمقراطي لأي بلد، وفي أي مرحلة تاريخية، تعد أوضاع الصحافة ومدى استقلاليتها وجودتها من مؤشراته المحورية. فالديمقراطية والإعلام لهما مصير مشترك وتحديات مشتركة أيضا”، وزادت: “بالنتيجة، فإن الارتقاء بالإعلام الوطني يتطلب عدة شروط. لكن أول شرط هو توفُّر الإرادة السياسية لإصلاح هذا القطاع الحيوي؛ فالإعلام مرتبط بحرية التعبير، وحرية التفكير، والحق في المعلومة. كما أنه مرتبط باستقلالية المؤسسة الصحافية ماليا ومن حيث الخط التحريري، ومرتبط بجودة تكوين الصحافيين وحيادهم وأوضاعهم الاجتماعية”.
ووضحت النائبة أن “بلادنا حققت خطوات مهمة في اتجاه إصلاح الصحافة والإعلام، لكن التجربة التي عاشها القطاع منذ أن تمت المصادقة على القوانين المتضمَّنة في مدونة الصحافة والنشر، تتطلب التقييم الموضوعي للوقوف على وضعية المقاولة الصحافية حاليا”، معللة ذلك بكون “المدخل إلى أيِّ إصلاح حقيقي يكمن بالأساس في توفير الشروط الملائمة لحياة وازدهار المقاولة الصحافية المغربية، كجزء من الصناعة الوطنية للإعلام، التي تحتاج إليها بلادنا”.
وتطرقت المتحدثة إلى تجربة التنظيم الذاتي للمهنة ببلادنا، معتبرة إياها “من التجارب المتفردة في محيطنا”، ودعت إلى “تقييم التجربة بشكل موضوعي ومحايد، على ضوء النماذج الناجحة في العالم، سواء في الصلاحيات أو في التركيبة وكيفية اختيار الأعضاء بطريقة ديمقراطية تسمح من جهة باحترام المنظمات التمثيلية وتكريس شرعيتها، ومن جهة أخرى التوافق حول آليات جيدة لضمان النزاهة والشفافية والكفاءة”.
وقالت: “مع الأسف، هذه التجربة اليوم تتراجع وتعيش أزمة غير مسبوقة، وقد سبق وعبرنا عن موقفنا وقلنا بأنها أزمة مصطنعة ومتعمدة للتهرب من تقديم الحصيلة سواء كانت إيجابية أو سلبية، والذي حصل هو الالتفاف على تجديد هياكل التنظيم وعلى بعث نفس جديد فيه، بل الالتفاف على المهنة برمتها”، مبرزة “مرور كل الآجال ولا انتخابات حُضِّرت أو أُجريت، ولا حكومة تحركت أو اجتهدت في هذا الاتجاه، ولا معايير ومقتضيات دستورية وديمقراطية وأخلاقية احتُرِمت”، على حد تعبيرها.
واتهمت عضو فريق “الكتاب” جهات ما بـ”محاولة السطو على قطاع الصحافة والنشر بعد أن بذلت بلادنا مجهودا كبيرا في سبيل تحريره وإقرار تنظيمه الذاتي”، وقالت: “تأكد لنا أن هناك أطرافا قليلة من الجسم الصحفي مستفيدة من الوضع الحالي ومدعومة من بعض الأطراف الحكومية التي تريد أن تُجهز على استقلالية المجلس، وعلى العمل الصحفي الحر والمستقل، وأن تسيطر على الفضاء الصحفي، ضدا على الدستور والقانون وعلى مكتسبات بلادنا في مجال حرية الرأي والتعبير والتعددية”.
تدبير مركب
الباتول أبلاضي، نائبة عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، اتهمت الحكومة بأنها “تشنّ متابعات قضائية يتابع في شأنها صحافيون من طرف وزرائها”، معتبرة أنها “حطمت رقما قياسيا في متابعة الصحافيين أمام المحاكم، لا لشيء إلا لأنهم مارسوا مهمتهم ورسالتهم النبيلة بتفان وإتقان، وهي كشف الحقيقة باعتبارهم سلطة رابعة تتولى ممارسة الرقابة الإعلامية على العمل الحكومي وتفعيل المساءلة الإعلامية لكل من يدبّر الشأن العام وفضح اختلالات وخروقات العابثين بالمال العام”.
كما اتهمت أبلاضي الحكومة بما أسمته “توظيف الدعم العمومي كأداة لتدجين الصحافة وترويضها على محاباة الحكومة والكف عن نقدها”، معتبرة أن “الحكومة منذ ميلادها وهي تشن حربا ضروسا على الإعلام الحر والصحافة المستقلة، سواء بتوظيف الدعم العمومي وإغداق أموال الإشهار على من يصطف من الصحافة والإعلاميين في طابور المناصرين والمؤيدين لها. في مقابل ذلك، عملت على قطع كل السبل إلى الدعم العمومي على المقاولات الصحفية التي اختارت الالتزام بالاستقلالية والمصداقية في ممارستها المهنية”.
وأشارت عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية إلى ما وصفته بـ”الإجهاز على استقلالية الصحافة من خلال إصدار قانون يكرس تبعية الجسم الصحفي للحكومة، ويرسخ هيمنتها على الصحافة، وذلك من خلال إقبار مجلس الصحافة واستبداله بلجنة مؤقتة يتولى رئيس الحكومة تعيين قيادتها، في خرق سافر للقوانين والتشريعات الوطنية والدولية التي تنص على التنظيم الذاتي واستقلالية مهنة الصحافة والإعلام”.
وقالت: “هذه إجراءات حكومية لا تشكل فقط مسا بحرية الصحافة والإعلام واستقلاليتهما، بل اعتداء على أحد مقومات الديمقراطية وحقوق الإنسان ببلادنا، وتعكس توجها حكوميا نحو الهيمنة والتحكم في الحريات العامة عموما، والصحافة والإعلام خصوصا، وهو الأمر الذي يقوض آليات المحاسبة والمساءلة كمبدأ دستوري”، وبالتالي “الحد من قيم الشفافية والحاكمة في تدبير الشأن العام في مقابل المزيد من التمكين والحصانة للمفسدين والعابثين بالصالح من العام من المساءلة والمكاشفة الإعلامية”.
0 تعليق