تصريح شرعي حول حدود العلاقة بين الأم وابنها وما يُثار من دعاوى تحريم

مصر تايمز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ردًّا على من يُحرِّمون رؤية الابن لأمه بملابس بيتها المحتشمة، أو يمنعونه من الجلوس في حجرها أو النوم في حضنها، فإن هذا التعميم لا يستند إلى دليل شرعي من كتابٍ أو سنة، ولا قال به أحدٌ من أهل العلم المعتبرين على هذا النحو المطلق.

بل هو محض خلط وتشويش بعيد عن التأصيل الشرعي، وكلامٌ يُعبّر عن اضطراب في الفهم وضعف في البناء الفقهي، لما فيه من نشرٍ للريبة، وتفكيكٍ للأسرة، وزرعٍ للوساوس في العلاقات النقية بين الأمهات وأبنائهن، وهي علاقات قامت على الفطرة، واستقرت على المودة والسكينة.
وإن هذا التعميم في الأحكام ضربٌ من الجهل الشرعي، لأنه يعارض أصول الفقه، ويخالف ما استقر عليه عمل الأمة وسلوك سلفها الصالح، من اعتبار العلاقة بين الأم وولدها علاقة رحمة ومودة، لا مظنّة ريبة ولا محل شبهة.
 

الحكم الشرعي المؤصّل

اتفق جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن عورة المرأة أمام محارمها – كالابن – هي ما بين السرة والركبة، بشرط عدم وجود شهوة أو ريبة.

▪ قال الإمام النووي (الشافعي) في روضة الطالبين (1/284):

“يجوز نظر المحرم إلى ما عدا ما بين السرة والركبة مما جرت العادة بكشفه في البيت، كالذراعين والرأس والقدمين.”

▪ وقال ابن قدامة (الحنبلي) في المغني (6/555):

“يجوز النظر إلى ما لا يباح للأجانب، مما جرت العادة بكشفه، ولا يقصد الشهوة.”

▪ وقال السرخسي (الحنفي) في المبسوط (10/152):

“مع المحرم يجوز النظر إلى الرأس والصدر والقدم، لأن ذلك لا يكون عادة محل شهوة.”
 

في حكم ملابس البيت والعرف والعورة

الملابس المنزلية الفضفاضة – كـ”البيجامة” أو “الجلابية الواسعة” – لا تُعد عورة في ذاتها، ولا يحرم على الابن رؤيتها ما دامت لا تكشف ما يجب ستره، ولا تبرز الجسد بطريقة مثيرة.
وقد قرر الفقهاء أن العرف المعتدل معتبر ما لم يُخالف نصًا شرعيًّا، وقد جرى عرف المسلمين على التساهل في كشف ما عدا العورة المغلظة في البيوت.
 

في حكم الاحتضان والجلوس في حجر الأم

لم يرد في الشريعة نهيٌ عن نوم الابن في حضن أمه أو جلوسه في حجرها، ما دام ذلك في حدود العلاقة السوية، ولم تُرصد ريبة أو شهوة.

▪ قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار (6/202):

“الأصل في المحارم الجواز، إلا إن وُجدت ريبة أو خُشيت فتنة، فيُمنع سدًّا للذريعة.”
 

خطأ الفرد لا يُبطل الأصل الشرعي

من القواعد المقررة في الفقه أن وقوع خطأ فردي لا يبرر قلب الحكم العام أو تحريم الأصل المشروع.

▪ قال الإمام الشاطبي في الموافقات (5/135):

“الاعتبار بالعموم لا بالخصوص، فلا يُترك الأصل لأجل فاسد خرج عنه.”
 

وفي الختام أقول:

إن التشدد غير المؤصل في هذه القضايا لا يخدم الدين ولا يحقق مقاصد الشريعة، بل يفسد فطرة العلاقات الأسرية، ويشيع الريبة بين الأمهات وأبنائهن، وهو ما يخالف روح الإسلام وتعاليمه الوسطية.

والواجب على من يتصدر للكلام في هذه المسائل أن يتحرى العلم والإنصاف، وأن يفرق بين التوجيه الوقائي المشروع، والتحريم المطلق الذي لا دليل عليه.

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق